البلديات ليست فضاءات إدارية لاستخراج وثائق الحالة المدنية، هذه نظرة ضيقة لا تتماشى مع رؤية السلطات العمومية التي تعتبرها مؤسسة اقتصادية بإمكانها أن تؤدي المهام المخولة لها في خلق الثروة، والقيمة المضافة غايتها الاعتماد على مواردها الذاتية.
هذا المسعى يعد معقدا أو حتى مستحيلا قد يراه البعض من المنتخبين بعيدا عن صلاحياتهم أو أنهم لم يتعودوا عليه نظرا لاعتبارات عديدة منها تخوفهم من الإقدام على أي مبادرة قد تكلفهم متاعب لا يتمنوها أبدا أو دخولهم في نزاع مع المراقب المالي، الذي يتحفظ على حل المشاريع المقترحة عندما يسجل عليها ملاحظات كونها مناقصة بما هو معمول به.
دعوة وزارة الداخلية والجماعات المحلية صريحة في هذا الشأن تريد أن تكيّف هذه المجالس مع مقاربة التنمية الشاملة على ضوء الهزة التي عصفت بأسعار البترول. ليكون الاعتماد المستقبلي مبنيا على رؤية مخالفة تماما لما كان عليه الحال في السابق.
ولا تخلو النصوص المسيرة للبلديات من مواد تفتح آفاقا واعدة للمنتخبين من أجل أن يكونوا عند هذا الموعد المنتظر منهم وهذا باقتحامهم هذه المرحلة بكل ثقة في النفس. من خلال السماح لهم بتأسيس شركات ذات الطابع المحلي، كما هناك آليات أخرى، يكمن السير عليها من أجل تدعيم المداخيل بصفة عامة.
غير أن جل البلديات للأسف لم تنح هذا النحو منذ أن صدر قانون البلدية والولاية، الذي جاء بعناصر جديدة نزولا عند رغبة المنتخبين منها صندوق التضامن بين المجالس المنتخبة، أي بين البلديات الغنية والفقيرة.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن العجز المالي الذي كانت تعاني منه أغلبية هذه البلديات تراجع بشكل معتبر وقد يكون ذلك مؤشرا ملموسا على أن الأفق تبدو مفتوحة لاتخاذ القرار في هذا الإطار قصد التحلي بالنظرة الحديثة القائمة على تعزيز موارد البلديات والتفكير في حلول حيوية.
معاينة وزارة الداخلية والجماعات المحلية نابعة من إيمانها العميق بأن هذه المؤسسات القاعدية لها قدرات مادية هائلة وكفاءات بشرية فريدة يمكن إستثمارها في هذا الاتجاه خدمة للصالح العام وحرصا منها على عدم إضاعة هذه الثروات واستغلالها فيما هو أفيد لتقوية خزينة البلديات.
وعليه كان لابد من السير ضمن هذا الخيار الصعب حتى وإن تطلب وقتا كون التجربة جديدة، تتقوى أكثر مع الذهاب إلى تعديل قانون البلدية والولاية، المزمع في مواعيد لاحقة، لتوضيح أكثر هذا التوجه الذي يراد له أن يساير الحركية التي تشهدها البلاد ميزتها النسق العام
