مرة أخرى يصنع أحمد أويحيى الحدث ويعود إلى بيت الأرندي من بابه الكبير، يراوغ خصومه على مرأى الأعين، لم يكن الوقت كافيا أمامه حتى يمرر رسائله المشفرة، لكن خبرة الرجل ومهندس المفاوضات الدولية لم تفشلها محاولات الإطاحة به في أكثر من مرة، بعد تلك التي قادها كلّ من قيدوم والمرحوم زغرار وبختي وغيرهم من الوجوه التي استطاعت أن تزيحه من منصبه تاركا مبنى بن عكنون لأول أمين عام عرفه الحزب عبد القادر بن صالح بعد مؤتمره الأول في الأوراسي سنة 1997.
بعد الإطاحة به، يختفي تماما من المشهد السياسي لمدة فارقت الأشهر وأسالت الكثير من الحبر وطرحت عديد الأسئلة والاستفهامات، حول هذا الغياب غير المعلن في رجل لا يخشى ولا يهاب الأضواء، لم يعد له حضور إعلامي ولا سياسي بالمرة، كأن الرجل غاص في موسم راحة واختفاء، كما يفعل الحكماء والفقهاء في الخلوة، ليتجدد بعدها عهده مع المسؤولية والسياسة ويقوى عوده من جديد، إلى غاية تعيينه مديرا لديوان رئاسة الجمهورية، وهنا بدأ عهد آخر له، مع ترتيب بيت الأرندي ووضع حدّ للكثير من الحالات التي يشوبها اللبس، سواء على مستوى قياداته أو قواعده النضالية، وما حضوره في آخر دورة للمجلس الوطني بعد فترة الخلوة السياسية، إلا دليل على ترؤسه الأمانة العامة بالنيابة.
لا يهم هل الشريحة النضالية وراء ذلك، أم هي الرغبة السياسية في تولّي أمور البيت، بعد الإخفاقات التي عرفتها القواعد الخلفية والحصينة مع غريمه الأفلان.
رحلة أويحيى في الأرندي لم تكن بالطريقة التي يراها البعض بالعين المجردة، بل هي رحلة محارب من وجهات متعددة، حفظ من خلالها الكثير من الدروس، يعرف جيدا دواليب السلطة ويعي جيدا أن الوطن للجميع بعيدا عن النظرة السوداوية التي حاول بعض خصومه إلصاقها بشخصه.
عرفت معاركه في بيت الأرندي أيضا نفس السيناريوهات بعد إقالة الأمين العام الأسبق الطاهر بن بعيبش وتوليه الأمانة العامة للحزب من بعده، وهاهو يعود بقوة الصندوق، الرجل الأول في الحزب بعيدا عن التزكية التي سبقت التعهدات السابقة، وهي رسالة فيها الكثير من القراءات المشفرة يمتلكها الرجل في أجنداته، خاصة عندما يراوض خصومه.
عهد جديد مع شرعية الصندوق يصنعها أويحيى كأول أمين عام ينتخب وبأغلبية ساحقة منذ تأسيس الحزب، ولا وجه فيها للمقارنة، بذلك يكون الرجل قد كشف عن نيّته في الرد على خصومه الذين تحرّك بعضهم لسد الطريق أمامه، لكن دهاء الرجل جاء من فندق الأوراسي، لذر الرماد في حركة نمت لتموت بالأوراس.