يبدو أن هناك إدراك مشترك لدى القادة الأفارقة يقضي بضرورة تفعيل العمل الإفريقي - الإفريقي من أجل التصدي للتحديات المتزايدة التي تواجه القارة السمراء والتي أصبحت تحتّم على صنّاع القرار إيجاد صيغ للتعاون جنوب - جنوب يمكنها أن تخلّص القارة من التبعية أو على الأقل التقليص منها على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
إن حلول الرئيس الإيفواري الحسن واتارا بالجزائر، اليوم، في زيارة رسمية، بدعوة من نظيره رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، لا يمكن إلا إدراجها في هذا الإطار، خاصة وأن البلدين الجزائر وكوت ديفوار يتقاسمان رؤى متطابقة حول مختلف القضايا والعمل المشترك بين البلدين من أجل الاستقرار والسلم في القارة الإفريقية والتطابق التام في الرؤى فيما يخص مكافحة الإرهاب من خلال العمل على إيجاد آليات إفريقية ـ إفريقية لمكافحة هذه الظاهرة التي أصبحت تهديداتها تتزايد بشكل واضح على كل دول القارة الإفريقية. وكان الحسن واتارا قد أثنى في هذا الصدد - وهو رئيس كوت ديفوار ورئيس المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا ـ سنة 2013 في رسالة وجهها إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حملها الاي كوليبالي وزير الاندماج الإفريقي والإيفواريين في الخارج، أثنى على المجهود الذي تبذله الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب وكذا دعم بلاده لجهود الجزائر الرامية إلى حل الأزمة المالية التي قادت الجزائر وساطة دولية بشأنها توجت بالتوصل إلى اتفاق سلم ومصالحة في مالي أو ما عرف باتفاق الجزائر.
إن هذه الزيارة ستشكل بكل تأكيد فرصة لبحث فرص التعاون في المجال الاقتصادي والتجاري كذلك، خاصة وأن كوت ديفوار التي تضمن الرئاسة الدورية للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، يمكنها أن تفتح للمنتوج الجزائري نافذة على منطقة غرب إفريقيا، في الوقت الذي تم فيه افتتاح مكتب تجاري جزائري في العاصمة ياموسوكرو من أجل استكشاف السوق الإيفوارية ومن خلالها كل منطقة غرب إفريقيا لتعزيز التبادلات التجارية بين البلدين وتوسيع إمكانات التعاون إلى مختلف المجالات، خاصة وأن الجزائر تعمل على تبني استراتيجية جديدة تستهدف تنويع الاقتصاد والمداخيل من خلال التقليص من الاعتماد على المحروقات.
الأكيد أن التعاون بين الجزائر وكوت ديفوار يمكن أن يشكل نواة لتعاون إفريقي أشمل ومتعدد الأبعاد يربط شمال القارة بغربها يمكن أن يلعب فيه البلدان دورا محوريا في إنهاء ما تبقى من بقع استعمارية في القارة الإفريقية من جهة، ومن ناحية أخرى الاستكمال النهائي لاستقلالية القرار السياسي والاقتصادي من أجل خدمة القارة وشعوبها، خاصة وأن هذه الأخيرة تمتلك كل المقومات المادية والبشرية لتكون أحسن مما هي عليه الآن بكثير لو توفرت لدى كل الزعماء الأفارقة الإرادة السياسية الكافية لإنجاز هذا التحدي.