حظيت العناصر الأساسية المشكلة للهوية الوطنية (الدين الإسلامي، العربية والأمازيغية) باهتمام عالج كافة جوانبها السياسية والثقافية والاجتماعية بتكريسها في الدستور بشكل يضعها في مرتبة متميزة بعيدة عن أي توظيف حزبي أو استغلال سياسي. ونالت اللغة الأمازيغية حقها ضمن هذا الاهتمام لتصبح لغة وطنية ورسمية في وقت تبذل فيه المحافظة السامية للغة الأمازيغية جهودا جبارة في تنمية ممارسة اللغة التي دخلت إلى المنظومة التربوية وتلقى إقبالا على الصعيد الوطني، مع التطلع لأن تتعزز مكانتها في المجتمع وفقا لمسار برنامج بيداغوجي يعكف على إقامته الخبراء وأهل الاختصاص. ومن شأن تحصين عناصر الهوية من محيط مفتوح على العولمة بكل افرازتها السلبية، أن يعطيها نفسا للنمو في إطارها الطبيعي بالبعد الوطني للانتماء إلى الجزائر، التي تستمد قوتها من عمق تاريخها وثراء تنوعها الثقافي وانسجامها الاجتماعي، الذي يزعج كثير من الأطراف.
ويقدم التاريخ بكل مراحله صفحات ناصعة في الحفاظ على الوحدة الوطنية وجعل التنوع قيمة مضافة تعزز أواصر البناء الاجتماعي في مواجهة محيط محلي وإقليمي وعالمي يتطلب الحرص من كافة أبناء الجزائر على حماية الجبهة الداخلية لصد هجمات خارجية منها ما هو مكشوف ومنها ما هو خفي، ترمي يائسة إلى محاولة زعزعة الاستقرار وتعطيل مسيرة البناء والتنمية. ويحاول المناوئون لبلد صمد ولا يزال - أمام تحديات أدت في بلدان هشة إلى انهيارها لتكون لقمة سائغة في قبضة أقوياء العالم من الاستعماريين الجدد- التشويش على المواطن وإلهائه عن الرهانات والقضايا المصيرية خاصة ما يتعلق بالتنمية البشرية والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في ظل صعوبات مرهقة جراء الصدمة المالية الخارجية التي يقوم البعض عن وعي أو بلا وعي بالاستثمار فيها من أجل أهداف أنانية أو سياسوية.
ومن واجب الطبقة السياسية وأولها تلك التي حملت لواء المطلب الأمازيغي، أن تدرك مدى الخطر الذي يتهدد بلادنا بفعل ما تمخضت عنه العولمة أحادية القطب، خاصة ما يدبر لبلدان الناشئة ذات الموارد والإمكانيات والموقع الاستراتيجي من مكائد ومؤامرات تبني مخططاتها على عناصر مثل الهوية التي عرفت في مجتمعنا ارتقاء نوعيا بكل مكوناتها لتتحول ومنذ سنوات ثورة التحرير إلى صخرة صلبة تكسرت عليها كل المخططات الهدامة، لتكون الوحدة الوطنية بمفهومها الشامل القلب النابض للسيادة الوطنية والقاسم المشترك بين أبناء الجزائر الذين واجهوا لوحدهم اكبر التحديات المصيرية دون أن تنهار معنوياتهم أو تتزعزع ثقتهم في بلدهم بكل ما يطرح في يوميات المواطن من مشاق الحياة ومصاعبها دون فقدان للأمل.
وعلى غرار باقي ولايات الجمهورية، كان لمنطقة القبائل التي أعطت المثل المشهود في التضحية من أجل استرجاع السيادة الوطنية وحماية الوطن حظها من التنمية التي تتواصل من خلال برامج عديدة يمثل فيها الإنسان ورفاهيته الشغل الشاغل فكان لسكانها يتقدمهم الوطنيون المخلصون من لا يتنكرون للتاريخ ويولون للكرامة معانيها الوطنية الموقف البارز في إحباط كل ما حاولته بعض الأطراف من استغلال للأوضاع لبث مغالطات مغرضة أو توظيف للمدى الواسع للحريات من أجل تحقيق مشاريع وهمية هي أقرب للمغامرة التي يركب موجتها بعض الأشخاص المنفصلين عن الواقع وهو ما لا يمكن لأبناء المنطقة السكوت عنه خاصة وأن مؤشرات التنمية تعرف نموا مضطردا بالرغم من بعض الصعوبات ذات الصلة بالموارد المالية الخارجية.
وعلى مدار السنة تتعاقب المواعيد لتتجدد اللحمة الوطنية التي يجسدها المواطنون بكافة فئاتهم وعبر كل التراب الوطني الذي استعيد من براثين الاستعمار بفاتورة مليون ونصف مليون شهيد سقوا كل شبر لتزهر الأرض وتكبر الأجيال وتنمو التطلعات، فتحققت مكاسب وطنية لا يمكن التشكيك فيها من حريات مختلفة لا تزال تنمو وأبرزها حرية التعبير والحق في المشاركة السياسية والمبادرة الاقتصادية إلى جانب التنمية المتوازنة والعادلة التي تشمل كل الولايات وبناء مؤسسات شعبية محلية ووطنية يجري تعزيزها لتكون أكثر نجاعة في تمثيل الإرادة الشعبية بالرغم من نقائص هنا وهناك يمكن معالجتها بالتدريج بعيدا عن ادني مزايدة أو مساومة.