بعضهم لا يتوفرون على محلات وآخرون ينشطون في فضاءات ضيقة، يواجهون مشاكل عويصة من ندرة المادة الأولية وغلائها ونقص فضاءات التسويق لمنتوجات أبدعتها أنامل تحمل مضمون حضارة وهوية وانتماء. إنهم الحرفيون الذين يخوضون معركة من أجل إبقاء هذه الصناعات التقليدية حية تقاوم رياح التغيير والعولمة الزاحفة الرافضة للتنوع، فارضة إرادة الأقوى وسلطانه.
هم حرفيون يصنعون مجد المناطق الداخلية في الجزائر العميقة بمنتوجات متعددة التخصصات يزيّنون بيوت العائلات من بأوان فخارية، زجاجية ويزودوننا بألبسة جلدية وصوفية تحمل ألف حكاية وحكاية عن الأصالة وتواصل الأجيال.
هم حرفيون توقفت عندهم «الشعب» المحلي لرصد مسيرة نضال ومقاومة من أجل إثبات الوجود والدفاع عن الهوية الجزائرية التي بقيت صامدة مرفوعة الهامة والشأن لم تقو الحملات الاستعمارية على محوها من الخارطة. على عكس ذلك زادتها قوة ومتانة متخِّذة من الصعاب وتحديات الظرف قوة انطلاق وقفزة إلى الأمام..
هم حرفيون يشكلون قلب المدينة النابض تحمل أماكن أنشطتهم وأحيائهم تسمية حرفهم، التي يقصدها المواطن لاقتناء ما يريد وما يبغي من صناعات تقليدية تشكل الوجه الآخر للمقصد السياحي.
فكيف لا يمكن الوقوف الى جانب هؤلاء الذين يرّوجون لأصالة أمة وهويتها ويرفضون الاستسلام أمام أي طارئ. وكيف لا يتوقف المرء عند نشاطهم الدؤوب وغيرتهم الفيّاضة وضميرهم الحيّ لنقل معاناتهم وإيصال صرخاتهم إلى أعلى مسؤول للتكفل بهم أكثر والأخذ بيدهم إلى بر الإبداع والتجدّد. إنهم حماة الهوية ومساندتهم في كل كبيرة وصغيرة هي فرض عين لأن مساندتهم هي مساندة لكل مواطن في هذا البلد الأمين الذي يحمل هوية انتماء ويدافع بكل ما أوتي من قوة من أجل بقاء الصناعات التقليدية علامة جزائرية مميّزة في زمن تلاشي الحواجز، سقوط الحدود وقرب الجغرافيا.
أول خطوة مساعدة تكمن في تطهير السوق من الأنشطة الموازية والاستيراد الفوضوي المتدفق من آسيا وما يحمله من خطر على المنتوج الحرفي الجزائري، وثانيها الاستمرارية في حملات التحسيس بوجوب اندماج الحرفي في صناديق الضمان الاجتماعي «كاسنوس» تحديدا دون تركهم وشأنهم عرضة للأخطار المهنية والأمراض حتى تبقى صناعتنا التقليدية رمز الجزائر وأصالتها شمعة مضيئة لا تنطفئ.