تمنيت لو أن مسافة الرحلة على متن حافلة النقل الحضري من ساحة «موريس أودان « بالعاصمة نحو «مطار هواري» بومدين لم تتوقف، ومضت بنا دون محطة ثابتة، حتى استرق السمع والاستماع إلى ذلك الكهل المقيم بديار الغربة، وهو يتحدث بنبرة المواطن المكافح، مع شاب كان يجلس إلى جانبه، تشعب الحديث بينهما إلى أن وصل الإنزال الفرنسي الذي رافق زيارة فالس الأخيرة، والاتفاقات التي أبرمت عقب انتهائها، إلى الوضع الاقتصادي الراهن وتدهور أسعار النفط، مرورا بدور الجيش الوطني الشعبي والمؤسسات الأمنية في حماية الحدود والتصدي للإرهاب وأنواع الجريمة المنظمة، معرجا في الأخير إلى قرار السلطات الجزائرية، الرافض منح بعض صحفيي وسائل الإعلام الفرنسية التأشيرة لدخول التراب الوطني.
هو موقف أثلج قلوب الكثيرين وأثبت للرأي العام والمتربصين بالجزائر، بأن إكرام اللئيم لن يكون على حساب تاريخ الشعب ومقوماته أو سب رموزه أو الإساءة إليها أو التشكيك في سيادته، وطبعا هو الذي حصل وتمت المعاملة بالمثل، ولا أحد يساومنا خارج الديار أو داخلها، منتهزا الفرصة للحديث عن حالة الاستقرار التي يشهدها البلد وهي شوكة في حلق العديد من الأمصار والأقطار الذين يتربصون بنا.
قبل الوصول إلى المطار الدولي، طلب الكهل من الشاب قراءة اللافتة الإلكترونية الموجودة في مقدمة الحافلة، وهي إشارة إلى نقطة الانطلاق والوصول، قائلا له أنظر، موريس أودان فرنسي ولكنه عندما أحب الجزائر ودافع عنها منحت له مساحة في كبرى شوارع العاصمة، إشارة إلى الشهيد ديدوش مراد، وبقي حيا نذكره من خلال خصاله.
الوصول إلى المطار حمل اسم هواري بومدين، وهو أول محطة ينزل فيها الرؤساء والوفود الأجنبية والشخصيات بالجزائر، يقدم فيها السلاح ويرفع فيها العلم لكل ضيف قادم في إطار الزيارات بين البلدين، وهي بصمة أخرى لا تقل أهمية عن أن الرموز عندنا خط أحمر لا تهان ولا تساوم، ومن اعتدى فقد ظلم نفسه.
فَهِم الشاب أن الوطن يبنى بأفكار أبنائه جيلا بعد جيل، لا وجود للقطيعة بينهما، وأن الروح الفذة في الذود عن الحمى أكبر من أن تحصر في شخص دون أخر، نهض الشاب من مكانه قَبَّلَ رأس الشيخ ودعا الاثنان بالرفاه والأمن للوطن.