ترتيب الأولويات

فضيلة دفوس
12 أفريل 2016

تستأنف بجنيف مفاوضات السّلام السورية في محاولة جديدة لدفع مسار التّسوية نحو حلّ توافقي يطفئ النيران التي تحرق أرض الشام منذ أزيد من خمس سنوات، وينهي فصول واحدة من أسوأ الأزمات وأكثرها دموية وتعقيدا.
وبرغم المسافة الواسعة التي تفصل طرفي المعضلة السورية واختلاف وجهة نظرهما حول خطة الحلّ إذ تصرّ المعارضة على وضع العقدة في المنشار وتشترط مرحلة انتقالية دون الرئيس بشار الأسد مع أن بقاءه أو رحيله هو قرار سيادي يخص الشعب السوري وحده، فإن الأمل يبقى برغم كل الخلافات والاختلافات قائما بأن يقدّم كلّ طرف التنازلات الكافية لتحريك عجلة السلام شرط عدم المساس بالثوابت التي تقوم عليها أيّة دولة، وهي وحدة الأرض والشعب وسيادة الأمن، أما ما تعلق بالسّلطة والقيادة، فليس من حق لا النّظام ولا المعارضة البت فيها لأن المخوّل الوحيد لاختيار من يحكمه هو الشعب السوري الذي دفع الثمن غاليا، حيث سقط منه مئات الآلاف على مذبح حرب خاسرة، وتاه الملايين في المنافي والملاجئ، ومن صمد داخل البلاد فهو يعاني الويلات أمام إرهاب «داعش» وتوابعه من التنظيمات الدموية الموجّهة عن بعد من طرف دول تريد تدمير سوريا حتى لا تبقى لها قائمة على الخريطة السياسية.
الوجع السوري كبير، ولا أعتقد شخصيا بأن المعارضة المجتمعة اليوم في جنيف تشعر به، طبعا فهي خلال الخمس سنوات الماضية كانت بعيدة عن أجواء الموت والعنف والدمار التي أصبحت رغيفا يوميا للشعب السوري، إنّها لم تكن تبرح أفخم الفنادق العالمية،
ولم تكن تظهر إلاّ عبر فضائيات الدول المؤجّجة لتدمير بلاد الشام، لهذا فإن حرصها على إطفاء النّار المشتعلة هناك لن يكون أولوية بالنسبة إليها بقدر ما سنراها تشدّد على رحيل الأسد الذي لم يعارض هذا الخيار مطلقا منذ بداية الأزمة، فقط ربطه برغبة الشعب وعبر صناديق الاقتراع وهو المنطق بعينه..
الآمال معلّقة اليوم على جنيف في انتظار المعجزة التي تنقذ السّوريين من مخالب الموت والإرهاب والتشرّد والجوع، والواجب على المجتمعين هناك أن يصلوا إلى نقطة تفاهم أساسية وهي تثبيت وقف إطلاق النار المعلن في 27 فيفري الماضي أوّلا، ثم مباشرة التفاوض حول الانتقال السياسي تحت قيادة النظام الحالي، فقد شهدنا من خلال التجربة، بأن إقالة الأنظمة يحدث الفراغ ويبث الفوضى ويهدّم المؤسسات ما يصعّب عملية إعادة البناء، لهذا لا يجب الوقوع في هذا الإشكال الذي نرى نتائجه المريعة في ليبيا والعراق وقبلهما الصومال..
على المفاوضين في جنيف أن يعلنوا انتهاء الحرب أوّلا، ثم مباشرة عملية سياسية تحدّد رزنامة استحقاقات تكون الكلمة الفصل فيها للشعب السّوري ليختار قيادته بكل حرية ومسؤولية.
والأكيد أن تنظيم هذه الاستحقاقات وضمان نجاحها ونزاهتها يحتاج إلى بعض الوقت والكثير من الأمن وعودة ملايين اللاجئين للمشاركة، فيها لهذا فالمرحلة الانتقالية يجب أن تتم تحت إشراف النظام الحالي ومؤسسات الحكم القائمة.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024