خطوة في الاتجاه الصحيح تلك التي قطعتها حكومة الوفاق الليبية بانتقالها إلى العاصمة طرابلس ومباشرة عملها تحت قيادة فائز السراج، وذلك بالرغم من العراقيل التي وضعتها حكومة خليفة الغويل الموازية، والتي امتدّت إلى درجة غلق المجال الجوي حتى لا تجد الحكومة الشرعية المنبثقة عن عملية الحوار السياسي التي رعتها الأمم المتحدة وتحظى بالتأييد الدولي منفذا لبلوغ العاصمة، لكن هذه الأخيرة دخلت عبر البحر واستقرّت بالقاعدة البحرية في العاصمة إلى حين تسلّم مقرّها الرّسمي من قبضة الذين نصّبوا أنفسهم سلطة موازية يستمدّون شرعيتهم الوهمية من قوّة وغطرسة المليشيات المسلّحة التي تزرع العنف والفوضى في البلاد.
خطوة السراج التي حسمت تردّدا دام أربعة أشهر، كان لا بدّ منها لإنهاء الانقسامات وإحلال السلام، إذ لا يعقل أن تستمرّ السّلطة في الشقيقة ليبيا موزّعة بين ثلاث حكومات، واحدة في طبرق وأخرى في طرابلس، إضافة إلى حكومة الوحدة التي تبقى المولود الشرعي الوحيد المطلوب من اللّيبيين الالتفاف حوله لإنجاح الانتقال الديمقراطي وإقرار المصالحة التي تعتبر طريق الخلاص الوحيد لإنهاء حالة الانقسام التي مزّقت البلاد وأدخلتها في حالة من العنف والإرهاب...
دخول المجلس الرئاسي للحكومة التوافقية الليبية إلى العاصمة طرابلس قبل أسبوع، لم يجد للأسف الشديد الطريق مفروشة بالورود، بل وجدها معبّدة بالأشواك والألغام، والذين ولّوا أنفسهم قبل عام ونصف سلطة موازية بقوّة الزناد في العاصمة، رفضوا الامتثال للشرعية واستلّوا سيوفهم يهدّدون ويتوعّدون القادم الجديد، ما يجعل مهمة حكومة السراج صعبة لكنّها أبدا لن تكون مستحيلة باعتبارها تحظى بالتأييد الدولي وحتى الداخلي، والدّليل الحشود التي خرجت إلى الشوارع مرحّبة بها ومن خلالها تستعجل إسدال الستار على الفصل الأسود الذي تعيشه ليبيا مند خمس سنوات وحلحلة الأزمات المتعدّدة الغارقة فيها وعلى رأسها الأزمة الأمنية التي تجاوزت حدود أرض شيخ الشهداء عمر المختار وأصبحت تهدّد الجوار والإقليم..
السراج يدرك صعوبة المهمة وهوبكلّ تأكيد لن يقبل بأن تكون حكومته ـ كما قال البعض - حكومة «منطقة خضراء»، بل يريدها مثل كل الشعب الليبي حكومة وحدة وطنية ممتدّة إلى كلّ شبر من أراضي البلاد، تحظى بموافقة ومباركة كلّ المناطق والفاعلين للعمل سويّة من أجل إعادة اللّحمة الوطنية التي تبقى صمّام الأمان في وجه كلّ المخاطر والإنزلاقات، ومن تمّ تفويت الفرصة عن الذين يصطادون في المياه العكرة، وقبل ذلك وبعده للتفرّغ لمحاربة الإرهاب الذي «تغوّل» وأصبح مصدر خطر للجميع.
مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، وحكومة الوفاق الليبية كسّرت حاجز الخوف والتردّد وهاهي تباشر مهامها، وبمساندة الشعب التوّاق إلى الأمن والاستقرار ستتخطّى كلّ الصّعاب وستحقق مهامها بنجاح.