رغم مرور أربعة أشهر على إعلانها من قبل الأمم المتحدة تتويجا لمسار تفاوضي شاق وطويل، فإن حكومة الوفاق في ليبيا ما زالت تبحث عن الوفاق المفقود بين الأبناء الضالين هناك، الذين انقسموا على أنفسهم إلى أطياف وجماعات سياسية متفرقة تسبح في فلك كل واحدة ميليشيات مسلحة تزرع العنف وتنشر الفوضى، بل واصطف الكثير منهم حول حكومتين متضادتين وبرلمانين وضع كل واحد نفسه ندّا للآخر ومعارضا لكل قراراته، حتى باتت أرض شيخ الشهداء عمر المختار بلا دولة ولا مؤسسات تحظى بالإجماع وترتفع فوق كل التباينات الجهوية والقبائلية المدمّرة.
لقد أعلنت الأمم المتحدة في ديسمبر الماضي التوصّل إلى حكومة وحدة وطنية ليبية وعيّنت على رأسها فائز السراج، لكن بالرغم من محاولة هذا الأخير جعل كل التيارات والجهات والقبائل ممثلة داخلها، وبالرغم من استجابته لشروط البعض بتقليص عددها إلى 13 وزيرا و5 كتّاب دولة، فإن تشكيلته الحكومية تجد صعوبة قصوى في الحصول على ثقة برلمان طبرق المعترف به دوليا، ما يجعل هيكلها بدون روح ودورها بلا فعالية، الأمر الذي يدفع المجتمع الدولي إلى دقّ ناقوس الخطر والتحذير من تعفّن أكبر سيجعل الأزمة الليبية مستعصية عن الحل إلا عبر تدخل عسكري خارجي الجميع يدرك نتائجه الكارثية وويلاته، ليس فقط على ليبيا بل على الجوار والاقليم أيضا.
الانسداد هو اليوم سيّد الموقف في ليبيا، ما شرّع الأبواب أمام البعض ليتجرأ على الدعوة إلى عودة الملكية من خلال حراك أطلقوا عليه اسم «حراك العودة إلى الشرعية الدستورية»، وهذا الأمر بقدر ما هو خطير ، فهو يعكس مدى تعفّن المشهد الليبي وتعمّق الخلاف والشقاق بين الليبيين الذين نراهم غافلين غير مدركين بأنهم يجرّون بلادهم إلى المنحدر الخطير، حيث تكون النهاية مأساوية لا محالة، كما يزجون بالمنطقة إلى بئر سحيقة من اللاأمن واللاإستقرار، لهذا المطلوب من الأشقاء في ليبيا الكفّ عن سياسة جلد الذات التي تدمي الأوطان، والاعتبار بما حصل لسوريا وشعبها، والالتفاف حول الحكومة التوافقية، فمهما كانت نقائصها أو المآخذ عليها، تبقى قاطرة لا بد منها لقيادة المرحلة الانتقالية ومن ثم ستكون الفرصة سانحة أمام الليبيين لانتخاب مؤسّساتهم واختيار ممثليهم وإقرار الشرعية التي تبقى إلى الآن الحلقة المفقودة