مرت سنة تقريبا على تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية ولازال الحدث يصنع الفرجة بمدينة الجسور المعلقة، يتابعه المواطن بتلهف، يستمتع بنشوة سهراته التي أسمع فيها المطربون أشجى الألحان وأعذب النوتات الموسيقية. يتابع الحوارات المفتوحة والنقاشات بين أهل الثقافة والفن يظهرون مدى خصوصة قسنطينة التي ألهمت الشعراء والكتاب وتغنّى بها أكبر الملحنين، يتقدمهم شيخ المالوف بلا منازع، محمد الطاهر الفرڤاني.
كانت التظاهرة، التي توقفت عندها «الشعب الثقافي» ملحمة قسنطينة وأكبر إنجازاتها ومكاسبها بعد سنين النسيان وفقدان البريق والإشعاع الحضاري. كانت وجهة المثقف والفنان والسائح الذي اكتشف من خلال جولاته في أعماق الأحياء العتيقة وجسورها المعلقة التي تروي ألف حكاية وحكاية عن هندسة معمارية عرفت كيف تحدث التواصل والاتصال بين مختلف جهات سرتا وجعلتها في تلاقٍ دائم لا تعترف بحواجز الجغرافيا وبعد المسافات.
كانت التظاهرة أفضل صورة روّجت للمقصد الجزائري الذي ما أحوجنا إلى المزيد من الجهود للتعريف به وإظهار معالم الوطن التاريخية والثقافية ومواقعها الحضارية وأعلامها الذين خاضوا معارك وهم يرافعون لمدينة الصخر العتيق، حاملة التمايز والتميّز، رافضة الانسلاخ عن مقوماتها وأصالتها، جاعلة من التفتح قوة إضافية لها في زمن العولمة الزاحف على الجميع.
نجحت تظاهرة قسنطينة مدينة ابن باديس، أحلام مستغانمي، زهور ونيسي ومالك حداد في أن تفرض نفسها على المشاهد الزائر لتكون عروس العرب، نأمل أن يبقى جمالها ورونقها مشعا ما بعد 16 أفريل لتكون بحق الساحرة الأبدية ومعشوقة البشر.