لا يفترق الفكر والثقافة في حدودهما الفلسفية إلا في نقطة تساؤل واحدة وهي، متى تنتهي الثقافة؟ ومتى يبدأ الفكر؟ وللإجابة عن التساؤل يجرّنا تحديد هذه المعالم إلى السلوكيات المرتبطة بالذات الإنسانية، انطلاقا من «الأنا « وصولا إلى «الأنا» الآخر، وإخضاع المسألة الثقافية إلى تشريح دقيق من شأنه أن يساهم في تجديد معالم الفكر المراد الوصول إليها انطلاقا من الثقافة.
فإذا كان الاعتقاد الأولي دون جزم يشوبه، بأن كل ما يرتبط بالإنسان خارجيا هو المكتسب من المحيط والمجتمع، هو ما يجول في خاطره بمعناه الثقافي، وإن كل ما يتعلق بالمضامين الأخرى الداخلية هي درجات فكرية متباينة لا يمكن الفصل بينها أو حتى إلغائها، لأنها تمتلك رغبة الاعتقاد السائد لدرجة الوعي المكتسب، وبالتالي لا يمكن تحديد هذه الآنية ولا يمكن ملامستها، لأنها تتعلق بفواصل الهامش الذي لا يتعدى الـ «هو «، وهنا مسألة أخرى يجب التركيز عندها والوقوف عندها.
صحيح أن المجتمع هو مجموعة الأفراد المتماسكة فيما بينها، تربطها وسيلة اتصال معينة، وحركات مختلفة، وتعيش ضمن إطار جغرافي متباين، تتقاسمه عبر حلقات تاريخية في ما بينها كموروث ثقافي وتتحدث لغة يعكسها اللّسان، الحامل لمقومات وسلوكيات مجتمعه، هذه السلوكيات عندما تترجم إلى الواقع الآني بمعنى الحاضر، تخلّف إرهاصات كثيرة تلك هي عصارة الأفكار التي يجب الترويج لها وطرحها للانشغال والتساؤل في قالب استقصائي أو جدلي، إلى أن نكتشف الثابت والمتغير في أبجديات الراهن والمستقبل.
لا يمكن للفكر أن يكون مستقلا عن الثقافة مهما حاولنا التمادي في طرح الأسئلة الفلسفية بمختلف سياقاتها، فالمجتمعات التي بقيت رهينة أفكارها لا تريد التجدّد، سوف لن تجني إلا وبال حصارها الثقافي المكتسب من عالمية الأشياء، بل أنه يروقها الاعتكاف في أسلوب صوري، لا يعكس رؤيتها للأشياء، هروبا من الحداثة أو التقليد، وخوفا من السقوط في عولمة التجدد، والانسلاخ من الماضي «الأمس»، فكلما كانت الرؤية تحمل دلالات المتخيل «الراهن «، تكون الإجابة عن السلوك بأكثر عمق وتفاهم:
لن تكون للمجتمع رؤية واضحة متزّنة تجاه المعرفة، ما لم تتجدّد مواعيده مع سلوكيات الراهن، فالبقاء رهينة المكتسب، لن يزيده إلا تملّصا من أمسه الحافل بالانجازات والاخفاقات على اختلافاتها.