قطعت الجزائر أشواطا معتبرة في طريق ترقية المرأة و إشراكها في الحياة العامة بمختلف أبعادها الإدارية والسياسية، سمحت لها باحتلال المرتبة الأولى عربيا والـ 26 دوليا فيما يتعلق بتمثيل المرأة في المجالس المنتخبة سواء على المستوى المحلي أي في مجالس البلديات و الولايات وكذا على المستوى الوطني من خلال التمثيل النسوي في المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة.
إن هذه المنجزات التي تحققت على صعيد ترقية المرأة وبعيدا عن المزايدات و المغالطات هي نقطة تسجل للجزائر التي أعطت للمرأة المكانة التي تستحق من خلالها الإدماج الفعلي لها، وهو إدماج تعكسه لغة الأرقام والاحصائيات و ليس مجرد خطاب مناسباتي أجوف تلوكه الألسن من أجل دغدغة مشاعر المرأة للحصول على صوتها في المواعيد الانتخابية ثم نعيد الملف إلى الأدراج المظلمة لاستعماله، أين دعت الحاجة.
في كل مرة يعود فيه تاريخ الثامن مارس إلاّ و تتعالى أصوات من نصبوا أنفسهم أوصياء على المرأة ، يتكلمون باسمها وينسبون إليها ما تحب و ما تكره تحت مسمى (تحرير المرأة) و اختصار هذا المسار في وجهة نظر غربية محضة و كأن النموذج الغربي هو الأفضل الذي يجب تعميمه على كل الدول والمجتمعات دون مراعاة لأدنى الفوارق الموجودة بينها، بحكم اختلاف الأديان والعادات و التقاليد ..إلخ
في حين أثبتت التجربة أن هذه النماذج سواء كانت مستوردة أو مفروضة هي التي كانت وراء الخراب الذي حل بالدول العربية، عندما اعتقدت الشعوب أو أوهمت أن الديمقراطية الغربية الأمريكية هي الخلاص الوحيد من بؤر التخلف و الديكتاتورية في حين أن هذه الوصفة كانت وراء خراب العراق، لأن الغرب وظف هذه الورقة ليس من أجل سواد عيون العراقيين ولكن لبسط سيطرته على بلدهم الذي يعيش نوبات من الفوضى والخراب منذ ذلك الغزو الأمريكي الذي بشرهم قبل 13 سنة خلت بالديمقراطية وغد مشرق بعد إزاحة (الديكتاتور) وهذا المثال ينسحب على ملف تحرير المرأة و على حقوق الإنسان و على كل القضايا.
يجب أن ننأى بملف المرأة عن التوظيف السياسي من أجل الضغط على دول وحكومات لإجبارها على تنفيذ أجندات معينة أو لعب أدوار أعطيت لها دون استشارتها أو طلب رأيها من أجل تدجينها و إدخالها في بيت الطاعة، كما يحصل مع ملفات حقوق الإنسان والأسلحة الكيماوية وغيرها من الذرائع الأخرى التي يوظفها الغرب ليضرب من يشاء، متى شاء، تحت تصفيق الرأي العام الداخلي والدولي بعد أن قامت وسائل الإعلام بشيطنة خصمه العنيد.
في الأخير تبقى الترقية الجدية والمثمرة للمرأة هي تلك النابعة من داخل المجتمعات في العمق و هو مسار يجب أن تكون محوره المرأة نفسها و أن يستمد وقوده من قناعتها والتزامها بقضيتها وبوطنها.