بنظرة متأنية ودقيقة لمشهد السوق النفطية بجميع تداعياتها، سواء تعلّق الأمر بالإنتاج والعرض وكذا التسويق، يبدو أن كبار المنتجين لهذه الثروة السوداء على وجه الخصوص، يتعرضون في الوقت الحالي إلى خطر حقيقي يهدّد مصالحهم، إذا لم يتم التعجيل برد الاعتبار لنظام الحصص الذي ظلّ لوقت طويل الضامن الحقيقي ومن العوامل الجوهرية لاستقرار سوق المحروقات، قبل أن تتغلب فيها معطيات فرض المصالح الضيقة لبعض الدول الأعضاء. ولا يخفى أن جل التداعيات السلبية التي طفت على مؤشرات الوضع الحالي وتأثر منظمة «الأوبيب» بها، يعود لسلسة من الأسباب أهمها انخراط بعض المنتجين الكبار بهذه المنظمة النفطية بوعي أو بدون وعي، ضمن مخططات «جيو إستراتجية» تستهدف السيطرة مصادر الطاقة. غير أن الاتفاق الروسي السعودي الأخير المتعلق بتجميد الانتاج يؤكد صحة طرح الجزائر التي كانت سباقة منذ نحو سنتين للتسريع بحلول يتدارك بها مواجهة أضرار انكماش الطلب على برميل المحروقات وتهاوي اسعاره، حيث سعت بتحركها الدبلوماسي إلى فتح حوار واسع مع الفاعلين، لكبح محاولات ضرب استقرار السوق النفطية. لذا فإن هذا الاتفاق يؤكد بشكل محسوس أن إمكانية الحل متوفرة وواردة، دون أن يفقد أي طرف لمصالحه، على اعتبار أن انهيار الأسعار لم يعد يهدّد الدول ذات الإنتاج المحدود فقط ، إنما صار خطرا يحاصر حتى الدول صاحبة الإنتاج الضخم، لأنه لم يعد باستطاعتها تغطية فارق الخسارة الشاسع والذي قاربت فيه تكلفة الإنتاج سعر البرميل في السوق العالمية. لذا فإن اللقاء المقبل الذي يرتقب انعقاده شهر مارس الجاري والذي يجمع الدول المنتجة داخل وخارج «الاوبيب» يعدّ فرصة ثمينة يمكنها أن تفضي إلى تحقيق توازن بين العرض والطلب، والذي دون شكّ سوف ينعش الأسعار التي عرفت خلال الأشهر الفارطة انهيارا أرعب المنتجين. ولعلّ الدول المعنية بهذا الاجتماع الذي يمكن وصفه بالمصيري، «مرغمة» للعمل من أجل الوصول إلى أرضية اتفاق من شأنها أن تعيد رسم معالم السوق النفطية العالمية، خاصة وأن هذا الاتفاق سوف ينعكس بالضرورة وبشكل إيجابي على نمو الإقتصاد العالمي، والذي يبقى مرهونا بفعالية توازن المصالح في القريب العاجل.