«تغريبة الخاسر” .. كانت آخر الكلام ..لصوت ظل ينزف من نبض شاعر ما فتئ يصدح بشعره وقصائده، “تغريبة الخاسر” كانت آخر تغريدة إلى قلبه بعد “رماد السيرة “ و«وردة الفضيحة “و”حوذي الجهات” عناقيد جمعها في حزمة واحدة، وغادر سماءنا إلى الأبد غير مبدل ولا مغير، وفيٌ لأفكاره ومبادئه.
رصاصات غادرة تعبر جسده الموبوء لتسكت دقات قلبه ذات الأوتار الشامية القحة.. طلقات جبانة كانت كافية ليصمت صوته إلى الأبد، غير آبهين بإسقاط روح فلذة كبده معه وأمامه وهو في ريعان شبابه.
غدر داعش الإرهابي اختاره عنوة دون أقرانه من بلدة دير الزور، حجتهم في ذلك انه يحمل بين دقات قلبه اسم شاعر، فأوقفوا نبضه، وأسقطوه من على وجنة الوطن، فينظم إلى أصحاب الكلمة والحس المرهف، أولئك الذين لا يملكون إلا قصائدهم الشعرية يصدحون بها في أوجه الحياة القاسية، تفاقم ظلم المرتزقة والسذج والجهلة ودعاة الشر، فطال صوتا شعريا رائعا.
ليس إلا انه يؤمن بأفكاره و يناضل من أجل قضية وطنه التي لا يمكنه أن يبيعها بثمن بخس، أو أن يتنازل عنها قيد أنملة، وهو المسكون بتربة الشام ومياه الفرات وحضارات الأولين من زنوبيا إلى صلاح الدين، ففضل تربة دير الزور مرتعه ومنفاه لا يحيد عنها وغير مبدل لحبات تربتها، هو الشاعر السوري بشير العاني الذي ترفع أوراقه إلى عليين منذ يومين في وهم تراجيدي صعب، أن تكتبها الصحائف أو تدونها الدواوين.
من نشوة القصيدة الحبلى يوّدع الأصدقاء والأحبة .. وداع ليس له مثيل.. وداع كان ينتظر منه أن يكون لقاء إلى حين عودة.. ولكنه كان الوداع الأبدي إلى عالم آخر تفتقد فيه القصيدة والورقة.
أراقوا دمك أيها الشهيد المخضب بروح الكلمة وهوس القصيدة وجرح الكلمات..أراقوا دمك هدرا لا لشيء سوى أنك تحمل ملامح شاعر أغرته الكلمات .. وأدمته عيون الحيارى والثكلى، الباحثة عن وطن من ورق ..
سيستمر نبض الوطن في العلا خفاقا، من بعدك أيها العابر..إلى همهمات الأسئلة ..سيظل اسمك شموخا يعلو سماء المشاهد العربية من حدودها الى أدناها..
وداعا أيها العابر من الفجيعة إلى الأمكنة البعيدة..