وهن كبير يعيشه الوطن العربي، وتردٍّ لم يسبق له مثيل يشهده على جميع الأصعدة، فأينما تولي وجهك على طول جغرافيته الممتدة على مساحة 14 مليون كلم مربع، لا ترى غير نيران مشتعلة هنا وتصدّعات مستفحلة هناك وتجاذبات زرعت الفرقة وألهبت التوترات وأجّجت الخلافات، حتى باتت البلدان العربية تفعل ببعضها البعض ما لا يفعله العدوّ بعدوه.
لقد تحوّل البيت العربي إلى حلبة صراع، تارة يكون ظاهرا وساخنا باستعمال القوة والسلاح وأخرى باردا ومستترا من خلال التّصعيد الكلامي وقطع العلاقات وغلق الحدود وممارسة الابتزاز والضغط المادي، لتضيع في النهاية روابط الأخوة والوحدة والمصير المشترك وتسحق بين فكي كماشة أدمت الأوطان وحوّلت أيام وأعوام الشعوب العربية إلى مسلسل لا متناهي من الآلام والمآسي.
من أقصى الشرق العربي إلى أقصى غربه تأزّم الوضع الأمني والسياسي بشكل مخيف، وكسى الفتور العلاقات العربية وباتت كل دولة تسعى للنأي بنفسها عما يجري في الدولة الأخرى، كما أصبح الحديث عن النظام الاقليمي والاتفاقيات الجماعية الموقعة في إطار الجامعة العربية وفي مقدمها ميثاق الدفاع المشترك من الماضي الذي لم يعد له وجود، حتى أضحت الأزمات التي تعصف بالمنطقة خارج الحلول العربية وتحوّلت إلى بوابة للتدخلات العسكرية الخارجية التي تزيد الأوضاع تعقيدا وتصعيدا.
لا أعتقد بأن الوضع العربي كان في يوم من الأيام بمثل هذا السوء ولا واجه مثل هذا التيهان، لنقف اليوم على مشهد حزين وأليم، السفينة العربية تصارع الأمواج العاتية التي تتلاطمها من كل جهة والربابنة الذين يمتطونها يتنازعون على قيادتها وفي خضم نزاعهم هذا تحبس الشعوب العربية أنفاسها لأنها في البداية والنهاية هي من يدفع الثمن.
البيت العربي تصدّع ما في ذلك شكّ والشرخ مرشّح لأن يتوسّع إلى تفتيت الوطن الكبير، والمآل هذا خطير ما يستدعى تصفية الأجواء وتجاوز التوترات وإعادة تمتين الروابط الأخوية وتفعيل العمل المشترك الذي يعتبر في كل الأحوال صمّام الأمان الواقي من كل الهزات والارتدادات التي يواجهها الوطن العربي.