يؤكد الهجوم الإرهابي الذي استهدف ثكنة عسكرية للجيش التونسي، أمس، في منطقة بن قردان على الحدود مع ليبيا أن إعادة بناء الدولة في هذا البلد أصبح أولى الأولويات في الوقت الحالي وليس إطلاق عملية عسكرية ثانية.
يجمع كل الملاحظين والمتابعين للشأن الليبي على أنها ستزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية واستفحال آفة الإرهاب خاصة وأن الآلة الدعائية الإرهابية ستستغل هذه الفرصة لتبرير جرائمها وممارستها من خلال خطاب يقضي بأنها حركات جهادية تدافع عن العرض والمقدسات ضد محتل أجنبي وهو خطاب أثبت فعاليته في استقطاب وتجنيد الكثير من الشباب إلى صفوف تلك الجماعات الإرهابية.
إن إطلاق عملية سياسية في ليبيا وحدها كفيلة بقطع الطريق أمام استفحال ظاهرة الإرهاب لأن انخراط الفرقاء الليبيين في هذا المسار التفاوضي السلمي يجعل الجماعات الإرهابية في وضعية تسلل - بمفهوم كرة القدم- ويرفع عنها كل الأقنعة السياسية والدينية التي ترتديها لبث الارتباك لإجهاض كل مبادرة سياسية كفيلة بإنهاء حالة الفوضى التي توفّر الحاضنة المثلى لتفريخ الفكر الإرهابي وتنامي تهديداته التي ستنال منها دول الجوار القسط الأكبر، وما هجمات بن قردان الإرهابية -التي وقعت أمس- إلا دليل على أن هذه الدول ستتلقى الصدمة الأولى في حال وقوع أي تدخل عسكري غربي في ليبيا، كما حدث في سنة 2011.
الأكيد أن موقف الجزائر الرافض لهذا التدخل لديه ما يبرره بالنظر إلى كل هذه المعطيات سابقة الذكر، خاصة وأن العدوان الفرنسي الأطلسي على ليبيا سنة 2011 أدخلها في فوضى عارمة، وحالات انتشار غير مسبوق لمختلف أنواع الأسلحة التي كانت من أولى هزاته الارتدادية سقوط شمال مالي في قبضة الجماعات الإرهابية بعد سنة واحدة فقط، مما استدعى في السنة التي تلتها 2013 تدخلا فرنسيا في مالي في إطار عملية “سيرفال”، ولكن بعد 3 سنوات ورغم تراجعه بشكل لافت لايزال التهديد الإرهابي قائما في شمال مالي، لكل هذه الأسباب ترفض دول الجوار وعلى رأسها الجزائر اجترار هذا السيناريو الكارثي مجددا و تعمل على إيجاد سيناريو بديل يتمثل في إيجاد مخرج سياسي نابع من الداخل الليبي، يقطع الطريق على الإرهاب من خلال تجفيف منابعه ودحض ذرائعه.