لا يختلف اثنان في كون منطقتنا تعيش تحدّيا أمنيا صعبا يسعى البعض لاستغلاله قصد تعفين الأجواء وتأزيمها لتبرير فتح جبهة جديدة لما يسمّى بالحرب على الإرهاب التي عشنا أطوارها وتداعياتها المرعبة بالأمس في أفغانستان، ونعيش فصول مآسيها اليوم في سوريا والعراق.
أمن منطقتنا أصبح على المحكّ بعد أن تمّ تغيير مواقع الدمويين وأعيد رسم خريطة انتشارهم بغية تنفيذ المهمّة القذرة التالية في ليبيا والسّاحل ومن خلالهما زعزعة أمن واستقرار الإقليم بكامله.
قوافل كبيرة من الإرهابيين تمّ استقدامهم من بلاد الشام والرافدين «لتغرس» كالأعشاب السّامة وكالألغام المهيّأة للانفجار في أرض شيخ الشهداء عمر المختار، وهذا حتى يشنّ زبانية الحروب وتجار السلاح، حلقتهم الموالية من الحرب على الإرهاب التي نراها للأسف الشديد لا تستهدف غير العرب والمسلمين، وهي بعد 15 عاما من إعلانها مازالت تدور في حلقة مفرغة، فلا الإرهاب انحسر ولا تنظيماته اندثرت.
الوضع في الجوار خطير ما في ذلك شكّ، حتى أنّ البعض بدأ يتحدث عن نذر حرب تحوم في الأفق، والتخوّف يبدو مشروعا خاصّة وأنّ صوت السّلام الذي ترفعه الدول المحيطة وفي مقدّمتها الجزائر، يكاد لا يسمع أمام صخب طبول التصعيد التي يقرعها هذا الطرف وذاك، والتي ساهمت في التشويش على جهود التسوية وأجهضت كل محاولات تنفيذ اتفاق تشكيل حكومة الوفاق الوطني الليبية.
بالتأكيد المنحى الخطير الذي تنهجه الأزمة الليبية يلقي بظلاله الداكنة على المنطقة، والانفجار الذي يحدثه أيّ تدخّل عسكري محتمل هناك سيلقي بشظاياه إلى الجوار، ما يحتّم على هذا الأخير أن لا يضع نفسه في موضع المغلوب على أمره الرّاضخ لسياسة الأمر الواقع، بل عليه أن يسعى بكل قوّة لسدّ المنافذ أمام إشعال حرب في المنطقة وذلك من خلال تفعيل الخيار السياسي، فالجوار في النهاية هو من سيعاني من التداعيات الخطيرة لأيّ مواجهة عسكرية تماما كما تعانيها دول جوار سوريا وكما عانتها من قبل البلدان المحيطة بأفغانستان وخاصة باكستان..
ورغم المؤشّرات الخطيرة، فإنّنا نتمنّى أن يقتدي الأشقاء في ليبيا بأطراف الأزمة في دولة مالي، التي آثرت المصلحة الوطنية والحفاظ على الوحدة وجنحت إلى السّلام بمرافقة الجزائر، وسوف لن يجد الليبيون وسيطا حريصا على مصلحتهم وأمنهم مثل الجزائر التي يسجّل لها التاريخ وساطات عديدة نجحت في حلحلة العديد من الأزمات سواء في الإقليم كما حدث في مالي أو في المحيط العربي كوساطتها بين إيران والعراق ودورها البارز في تحقيق اتفاق الطائف وغيرها من الاسهامات السلمية الفعالة.