للقصبة حيّز معتبر وراسخ في ذاكرة ووجدان الجزائريين، تكتنز إرثا تاريخيا واجتماعيا وثقافيا وإنسانيا ماديا ولاماديا، بل إنها أبهرت حتى الأجانب الذين مروا بانحناءات طرقاتها وجابوا أسوارها وفكوا لغز تصميم بناياتها الشامخة والفريدة من نوعها ذات يوم، سرقت إعجابهم وبقيت عالقة في واجهة خيالاتهم، ودون شك فإن هذه الحاضنة المعمارية العريقة المتميزة مازالت للمرة الألف تحتاج أكثر من أي وقت إلى مخططات حماية وخطط الاستغلال، حتى تبقى صامدة في وجه الزمن والتحولات التي تطال المجتمع وحتى يظل التشبث بالعادات والتقاليد قناعة ثابتة في النفوس، وتكون بمستوى المعلم بصورة مشعة ومتفردة.
وفوق كل ذلك لا يجب أن ننسى وأن نأخذ بعين الاعتبار أنه من القصبة والعديد من الأحياء العريقة تخرج الفنان والمثقف والعالم وفجرت قريحة المبدع ولا يغفل حتى أنها كانت أرضية تشكل عبرها وتبلور في فضاءها الوعي الوطني و تجسد الصمود الفعلي، وبقيت رغم التحولات والتأثيرات محافظة على الهوية متماسكة، ورغم قدم عمرانها وفقر سكانها قاومت تأثيرات الحضارة الأوروبية التي كانت على بعد أمتار منها، لكن القصبة أكبر من نسيج عمران قديم وتحفة هندسية، بل الأمر الأهم يكمن في روح هذا العمران المترامي بين ثنايا القصبة شاهدا على حياة العديد من الجزائريين طيلة أزيد من خمسة قرون كاملة.
فأين نحن من زمن القصبة التي تحوّلت فيها المقاهي إلى مسارح تصقل المواهب والمنازل إلى ورشات تزود المحلات التجارية بالصناعات والتحف التقليدية والحلويات اللذيذة والأطباق الشهية، وكان ابن القصبة ينهل القيم من أسرته كما من محيطه، بينما العلاقات الاجتماعية تنبض بروح التكافل وقوة التضامن في الأفراح والأقراح على حد سواء، فمن يعيد للقصبة بريقها؟ ويحيي روحها ويتوّجها معلما حقيقيا يتدفق عليه السياح والمثقفين وتقام فيه النشاطات الأدبية والفنية والتشكيلية والتقليدية ويروّج إلى كل ذلك..ولماذا مازلنا إلى يومنا هذا نعيد إثارة إشكالية الترميم وحماية القصبة منارة الجزائر من التآكل والاندثار؟