تحوّلت ظاهرة حوادث المرور التي تحصد يوميا عشرات الأرواح إلى هاجس حقيقي للمواطن والسلطات المعنية بمحاربة هذه الآفة التي تهدّد المجتمع، كما لم تفلح معها مختلف الإجراءات القانونية التي تدعم بها قانون المرور لردع المخالفين بمختلف الغرامات، سحب رخص السياقة وغيرها من التدابير الأخرى للتقليل من الظاهرة في وقت تفضل فيه الجمعيات العمل الاستعراضي المناسباتي وأكادميين غير مبالين حتى من باب الفضول.
أجمع العديد من المختصين المتابعين لأزمة حوادث المرور وحتى المواطنين العاديين الذين مسّتهم الآفة على ضرورة تحرك كافة فعاليات المجتمع المدني من هيئات رسمية، الجمعيات والمؤسسات الثقافية والتربوية لتقديم تصور واقعي ووضع استراتيجية شاملة لتشريح الظاهرة وفهم أسبابها الحقيقية من أجل تقديم الحلول الممكنة للتقليل من عدد الحوادث وغرس ثقافة مرورية فعلية كفيلة بتعويض الإجراءات القانونية والرقابة الصارمة عبر الطرقات التي ولدت بحسب بعض السائقين ذوو الخبرة نتائج عكسية بالنظر إلى الضغوطات المتزايدة على السائقين جراء الانسداد والاختناق اليومي للطرقات ومداخل المدن.
وقد حاولنا الاستعانة ببعض الأساتذة المتخصصين في علم الاجتماع لفهم الأسباب الكامنة وراء ارتفاع حوادث المرور ومسؤولية السائقين فيها التي تعتبر رئيسية حسب تقارير مصالح الشرطة والدرك الوطني إلى جانب حالة المركبات والطرقات، ومدى وجود دراسات ميدانية أكاديمية تطرقت للظاهرة على مستوى ولاية بومرداس، لكننا لم نتوصل إلى نتيجة وكل الإجابات المقدمة تبقى فضفاضة ونظرية لا تزيد عن الدعوة إلى مزيد من التوعية وتكثيف الحملات التحسيسية في الوسط التربوي والمجتمع ككل، بالتنسيق مع الهيئات الرسمية ومصالح الأمن، لكن دون تقديم أعمال ملموسة كفيلة بالتحرك الميداني لكبح عدد الحوادث حتى لا تبقى مجرد أرقام مرعبة تنشر يوميا عبر بيانات مصالح الحماية المدنية ومصالح الأمن.
كما لفت انتباهنا غياب الدور الفعلي للجمعيات التي أخذت على عاتقها محاربة الظاهرة وتحسيس المواطنين بخطورة ما يحدث، بل أخذت من مفهوم السلامة المرورية شعارا فقط للتبجح على الساحة والاستفادة من إعانات الدولة، في غياب برامج ميدانية مكثفة طيلة أيام السنة والوصول إلى أقصى نقطة داخل الولاية لإيصال الرسالة، على غرار جمعية السلامة المرورية وباقي الجمعيات الأخرى الموجودة على الورق ولا تظهر إلا في المناسبات الرسمية وأمام وسائل الإعلام، وهو ما يعني غياب الجدية في مناقشة وفهم الموضوع، وفي انتظار وعي المؤسسات المعنية بحجم المسؤولية، تبقى آلة الموت تحصد يوميا عشرات الأبرياء عبر الوطن، وخسائر مادية جسيمة امتدت حتى إلى مؤسسات التكفل الاجتماعي والمستشفيات جراء ارتفاع تكلفة التكفل بعدد الجرحى والمعاقين نتيجة هذه الحوادث.