يبدو أن ما تداولته الأخبار في الأسابيع الماضية حول حتمية الخيار العسكري في ليبيا لدحر الإرهاب المتنامي هناك، أصبح أمرا واقعا بعد أن فاجأت أمريكا الجميع وقرّرت بصفة أحادية شنّ غارة جوية لتصفية من قالت أنه مدبّر الاعتداءين اللّذين استهدفا السنة الماضية متحف باردو ومنتجع سوسة بتونس.
«العملية الجراحية الدقيقة» التي كانت مدينة صبراتة مسرحا لها فجر الجمعة الماضي والتي قادتها أمريكا دون إشراك أو إبلاغ حتى حلفائها المتلهفين لنقل الحرب على الإرهاب إلى أرض شيخ الشهداء عمر المختار، لا يمكن اعتبارها إلاّ مقدّمة لهذه الحرب التي لا ينتظر المروّجون لها غير تثبيت حكومة الوفاق الليبية لتتقدّم بعدها كسلطة شرعية بطلب التدخل الأجنبي لدحر «داعش» وتوابعه من الدمويين .
الغارة الأمريكية المحدودة التي اعتبرها البعض محاولة لجس نبض دول الجوار ومعرفة ردّ فعلها قبل مباشرة التدخل العسكري الحقيقي، هي بدون أدنى شكّ مقدّمة لهذا التدخّل المرشح، لأن يتوسّع إلى إشراك دول كثيرة أكدت في أكثر من مناسبة حتمية الذهاب بنفسها إلى الإرهابيين ومحاربتهم في معاقلهم وعدم انتظارهم حتى يأتوا إليها، خاصة وأن ما يفصلها عنهم هو مجرّد بحر.
طبول الحرب تقرع وأزيز الطائرات يتعالى، ما يعني أن المنطقة أصبحت على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة لتتطاير حممه خارج حدود ليبيا وتحرق دول الجوار التي تحبس أنفاسها خشية الآتي الذي تعرفه جيّدا وقد قرأته واستوعبت دروسه المأساوية من تداعيات الأزمة السورية وقبلها المعضلة العراقية والأفغانية.
إن إعلان الحرب في ليبيا بمبرر استئصال الورم الإرهابي الخبيث كما يروجه دعاتها، ستكون وخيمة العواقب ليس فقط على الليبيين، بل وعلى الجوار أيضا الذي سيجد نفسه في عين الاعصار يواجه تسلّل الدمويين الفارين من الضربات التي تستهدفهم ناقلين خطرهم وتهديدهم معهم، دون الحديث عن التداعيات الانسانية التي ستجسدها قوافل اللاجئين وما تفرضه احتياجاتهم من كلفة مالية باهظة.
الغرب حسم أمره هذا أمر مفروغ منه، وعملية صبراتة فتحت على ما يبدو شهيته لحلقة جديدة من مسلسل الحرب على الإرهاب التي لم تحققّ مند إعلانها في خريف 2001، أي نتيجة تذكر غير تزايد أعداد الدمويين وتعدّد تنظيماتهم وتغيير معاقلهم، فالحرب على افغانستان رحّلت الإرهاب إلى العراق ومنه إلى سوريا، ومواجهة الدمويين في أرض الشام وبلاد الرافدين دفعت بهم إلى الساحل الافريقي وليبيا، وإعلان التدخل العسكري في هذه الأخيرة سيجبرهم على اللّجوء إلى مكان آخر، ما يعني أن الحرب على الإرهاب تدور في حلقة مفرغة مسبّبة الأسى والدّمار لمن تطاله ولمن يجاوره، لهذا بات حتميا التعجيل بحل الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية سلميا والبحث عن حلول لتنامي الإرهاب بعيدا عن أشعال الحروب وتدمير الدول وتشريد الشعوب.