إن الدارسات التاريخية العلمية والموضوعية التي قام بها العديد من الباحثين وعلماء الأنثروبولوجيا والجيولوجيا أجمعت على أن الجزائر ليست موغلة في التاريخ فقط بل لديها امتدادات في مرحلة ما قبل التاريخ كذلك وهذا ما أكدته الكثير من المواقع التي لا تزال شاهدة على أن هذا البلد عريق بماضيه البعيد على عكس ما روجت له الدعاية الاستعمارية التي حاولت جاهدة قطع أوصال هذه الأمة من خلال فصلها عن تاريخها عن طريق دراسات مشبوهة وبحوث تحت الطلب لباحثين فرنسيين في الأنثروبولوجيا وفي حقب ما قبل التاريخ رافقوا الحملة الاستعمارية العسكرية على الجزائر، مهمتهم كانت فصل الحلقات التاريخية للجزائر عن بعضها البعض لإعطاء الانطباع بأن للجزائر تاريخ مبعثر لا يتوفر على الاستمرارية والتواصل وفق ما قدمته وروجت له الكثير من الأبحاث الفرنسية وهي أبعد ما تكون عن المنهجية العلمية وعن الموضوعية حيث أغفلت عمدا حقبا تاريخية وما قبل تاريخية مرت بها الجزائر بهدف اختصار تاريخها القديم وما قبله في حقبة تاريخية وحيدة هي الحقبة الرومانية بينما أثبت باحثون وخبراء نزهاء حركهم فضولهم العلمي وشغف الوصول إلى الحقيقة كما هي وتحصيل المعرفة بموضوعية وإلتزام أخلاقي، أثبتوا عبر دراساتهم وبحوثهم أن تاريخ الجزائر يتوفّر على عامل التواصل الثقافي وهو عامل مهم ورئيسي يدحض الرواية الاستعمارية الفرنسية ويفضح زيف البحوث المأجورة والاجتهادات الفاسدة التي كانت ترمي إلى تنشئة الجزائريين على فكرة جوهرية مفادها أن أجدادهم هم «ليغولوا» ولتحقيق هذه الرواية عملت الآلة الاستعمارية على تزييف التاريخ وطمس معالمه اعتمادا على خبراء وباحثين مأجورين مهمتهم تشتيت التاريخ وفصل حلقاته عن بعضها البعض، كان الكثير منهم ضباطا في الجيش الفرنسي خلال الحملة الاستعمارية على الجزائر ومنهم النقيب «دوسلان» وغيره من الذين كلّفوا بمهمة اغتيال الذاكرة والتاريخ ليسهل الإجهاز العسكري على الجزائر والتهامها قطعة قطعة ولا تزال آثار ونتائج ذلك المسار الجهنمي تلاحقنا إلى اليوم إلى درجة أن الكثير منا يصاب أحيانا بنوبة من التيه في خضم البحث عن الهوية والذات.
الأكيد أن ثورة نوفمبر التي أنهت وهم إلحاق الجزائر بفرنسا ثقافيا وجغرافيا تشكل لنا اليوم مرجعية تاريخية حديثة يمكن على ضوء معالمها ومبادئها البحث عن انتمائنا وحضورنا في التاريخ وما قبله في كل شبر من أرض الجزائر التي تزخر بمواقع أثرية ورسوم قديمة لم يكتشف منها إلى القليل وما تختزن الأرض أعظم، تثبت أنها كانت حاضنة من حواضن الحضارة الإنسانية ساهمت في إزدهارها واستمرارها وفي الحفاظ على التواصل بين مختلف حقبها وفتراتها