شمعة متقدة في سماء الصحافة والأدب، أفل نجمها على مشارف العقد التاسع، بعد أن عمرت وأينعت وأثمر طلعها، أمهات الكتب وملايين المقالات، ترك صيتها حجما لا يضاهى، حتى صار أشهر من نار على علم، قامة فكرية رافقت رؤساء العالم، وأجرت مقالات وحوارات مطولة، مع ألمع الأسماء والقامات السياسية والفكرية فكان حقا الموسوعة التي لا تنضب.
كغيري من أبناء جيلي عرفت الكاتب والإعلامي، محمد حسنين هيكل، على مقاعد المدرسة الابتدائية في منتصف السبعينيات، حينما كنا نقرأ مقالاته في كتب المطالعة التي توفرها مكتبة الحزب، نتطلع إليها، عرفناه من خلال مقالاته كاتبا وأديبا وإعلاميا، عبر مكتبة الحزب التي كانت تتجول في أزقة بلدتنا الخارجة من براثن الاستعمار لتوها، فرحة بنشوة الاستقلال، وعبر شاحنة مكشوفة جدرانها الحديدية كانت تتنوع عناوين كتبها، تشبه شاحنات السينما سنوات الاستقلال، كنا نتسابق لمشاهدة العروض السينمائية ساعتها، ومن يظفر منا بمقعد خشبي، أحيانا نحمل حجرا متوسطا للجلوس بغية مشاهدة بعض أفلام الأبيض والأسود.
كان قلم حسنين هيكل يحمل حضورا في صفحات كتاب القراءة آنذاك، وعبر مواضيع مختلفة عن ثورة التحرير وسيرة الشهداء وعظمة المجاهدين، كغيره من الكتاب الذين كنا نقرأ لهم كحافظ إبراهيم، أحمد شوقي وإبراهيم ناجي، وطه حسين الذي نهل من جامعة السوربون مثل هيكل.
حفظنا اسمه عن ظهر قلب، خاصة في مقالاته بجريدة الأهرام، ومجلتي الهلال واليوم السابع، وكانت سجلاته مع صالح جودت تشهد على ذلك العصر الذهبي للفكر العربي والقومي.
حمل الجزائر في كتاباته ودافع عن بطولات أبنائها فكان خير جليس لهم في السراء والضراء، وكثيرا ما كانت مقالاته الصحفية تجرح القوى الضلامية وتغير موازين القرارات السياسية، حتى يعاد النظر فيها، لأن محررها هو حسنين هيكل.
هو شاهد عصر الثقافات والحكومات المتعاقبة جيل بعد جيل، فأسس شبكة المحبين والمعجبين والمهتمين بزوايا كتاباته، وإن خص بعض الأسماء الأدبية، فكان ذلك لميله إلى بعضها وما تبدعه ملكاتهم الفكرية، مثل جمال الغيطاني والمفكر عبد الوهاب المسيري والشاعر عبد البنودي والروائي يوسف القعيد، وثروت إباضة ونجيب محفوظ وغيرهم من القامات الأخرى.
برحيله، يكون عالم التأليف والكتابة والنقد والصحافة، قد فقد رجلا عظيما ومفكرا لا يتكرر بحجم شاهد عصر، كان اسمه هيكل.