إنّ الاهتمام بالقضية الفلسطينية تراجع إلى حدّ كبير، وتغطية تطوّراتها بات شبه غائب في المشهد الاعلامي العربي، الذي فقد بوصلته وتاه بين الأزمات التي تتزاحم بمآسيها وفظائعها على طول الجغرافيا العربية، مشكّلة منذ خمس سنوات بيئة خصبة للحروب الأهلية المدمّرة والفوضى الأمنية المرعبة والمآسي الانسانية المروّعة، وزادها انتشار الارهاب وتنظيماته الدموية تأزّما وألما.
لقد أضحى الاهتمام كلّه منصبا على عملية التّدمير الممنهج لسوريا، وقبلها العراق ولاحقا ليبيا مرورا باليمن دون استثناء دول أخرى كثيرا ما نراها تتحوّل إلى سبق إعلامي بفعل ما تشهده من اعتداءات إرهابية، احتجاجات اجتماعية أو مصاعب اقتصادية...
بين ثنايا هذا الرّداء الأسود الذي يغطّي الوطن العربي، احتجبت القضية الفلسطينية عن أنظار المجتمع الدولي، فأصبح لا يرى ما يعانيه الفلسطينيّون من انتهاكات واعتداءات على يد الجلاّد الصّهيوني، الماضي في سرقة الأرض من أصحابها وبناء المستوطنات، وتشديد الحصار الذي حوّل الفلسطينيّين الى نزلاء يعانون الويلات في سجن تحدّه الجدران والمعابر من كلّ جهة، وتحيط به قوّات العدو المدجّجة بالسّلاح، التي استباحت قتل الفلسطينيّين تحت أيّ مبرّر، وآخر «ابتكارها» التّصفية الجسدية بمبرّر النوايا، أي أنّها تقتل الشباب الفلسطيني بزعم أنّهم ينوون الاجهاز على عساكرها أو مواطنيها بالطّعن،وقد قتلت منذ أكتوبر الماضي أزيد من 170 فلسطيني، سقطوا على مذبح الشّهادة فقط بشبهة النيّة في الطّعن .
الإعلام العربي مقصّر جدّا تجاه القضيّة الفلسطينيّة، والانشغال بتغطية الأزمات التي تعصف بالوطن العربي لا يبرّر تجاهلها وهي أمّ القضايا، فهذه اللاّمبالاة هي التي تركت الحبل على الغارب للاحتلال الاسرائيلي ليمارس كلّ أشكال التعسّف والخرق والعدوان على الشّعب الفلسطيني، الذي مازال متمسّكا بأرضه مصرّا على انتزاع حقوقه، وهو يبرهن في كلّ مناسبة بأنّه مستعدّ للتّضحية بحياته حتى تبقى قضيّته حيّة ولا يقتلها التّواطؤ الدولي والشّرعية النّائمة بالتّقادم، وها نحن نشاهد المحاصرين في غزّة كيف يواجهون ويتحمّلون شظف العيش بصبر وتحدّ منذ عشر سنوات، وكيف يهبّ المقدسيون للدّفاع بصدورهم العارية عن المسجد الأقصى من تدنيس الصهاينة، وكيف يضرب المعتقلون عن الطعام لأجل إسماع أصواتهم وانتزاع حرّيتهم، وكيف تحقّق الدبلوماسية الانتصار تلو الآخر على السّاحة الدوليّة، حيث تجاوز عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين 137 دولة دون الحديث عن البرلمانات والمنظّمات العالمية المختلفة التي تصرّ على إعادة الحق المغتصب إلى أصحابه.
فلسطين هي أمّ القضايا العربية، ومهما زاحمتها الأزمات فالانشغال عنها جريمة لا تغتفر، لهذا وجب إعادتها إلى صدارة الاهتمام، ودعمها إعلاميا ودبلوماسيا وماديا حتى تصمد في وجه احتلال يريد الانفراد بها لوأدها إلى الأبد.
ويبقى على الفلسطينيّين استعادة وحدة الصفّ، فالحريّة لا يمكن أن تحقّقها فرقة.