يعج المشهد الثقافي الجزائري بأمهات الكتب والإصدارات المختلف أنواعها وأشكالها، منها من مرّ ومنها من لم يمر على لجنة القراءة، وراء كل هذه المؤلفات أسماء كان لها السبق في ركوب موجة التأليف والطبع ومعرفة قوانين وعقود ما قبل الطبع، وما يتبعها من ترتيب يكون فيها للمؤلف نسبة من الإصدار، مع ضمان حقوقه كاملة دون نقصان، يحفظها العقد المبرم بين الطرفين.
اليوم وفي ظل تزايد دور النشر وظهور العديد من الأسماء المبدعة في مختلف الميادين، فإن جدلية العلاقة بين الناشر والمؤلف أخذت منحنى أخر من الصراعات والخلافات، وصلت في الكثير من الحالات إلى أروقة المحاكم، أمام تهرب الناشر من كشف عدد الإصدارات وعدم تحمله توزيع الكتاب، ناهيك عن عدم دفعه لحقوق المؤلف وتهربه في الكثير من المرات من هذه التبعية.
الكتاب هو صورة حقيقية لكاتبه، لذلك يأتي حرص المؤلف على أن يكون إصداره يشبه إلى حد ما ذلك العريس الذي يتأهب للدخول في قفص المتزوجين، فتراه ملما بكل صغيرة وكبيرة من شأنها أن تفسد فرحته بهذا القادم إليه، سواء من حيث اللغة وتجنبه الأخطاء أو من حيث الإخراج والتصميم وإعادة مراجعة ما يكتب ثم القراءة الخيرة مع مقدمة ضرورية تمنحه تأشيرة الخلود في سماء الأدب والثقافة.
كثيرا ما تصادفنا كتبا ننبهر بغلافها وتصميم الصفحة الأولى باعتبارها تحمل عنوانا مثيرا نرجسيا، فتحملنا الرغبة لشرائها والاطلاع على مكنوناتها، إلا أننا ننصدم في الصفحة الثانية مباشرة لنكتشف أمامنا مخاض تجربة فاشلة لا صلة لها بالابداع ولا بالأدب ولا بأي شيء، لذلك تكون مسؤولية الناشر هنا أخلاقية ومعنوية قبل أن تكون تجارية، لأن المشهد تختلف فيه القراءات والرؤى باختلاف الحركة النقدية، خاصة ونحن في عالم أشبه بقرية صغيرة، يمكن أن يطلع على هذا الاصدار من هو في أقصى القارة الأخرى، وهنا نسيء لمشهدنا الثقافي أكثر من أن نساهم في تنميته.
تهرب الناشر من التزاماته المادية والمعنوية هو هروب من مسؤولية حملها أياه ميثاق الشرف، الذي يحمي مهنة الناشر باعتباره عنصرا فاعلا في الساحة الثقافية، فلولاه لما كان لأمهات الكتب من تواجد وحضور.
وكي نبتعد عن هذه الاخفاقات الجمة، يجب أن نحمي أنفسنا من فيروسات التطفل الثقافي التي تعج بها الساحة، حتى يمكننا حماية تراثنا من النسيان ومساعدة ذاكرتنا في اعتلاء المكانة التي تليق بها، مثلما رسمها الأولون والسلف.