الذين يروّجون للحرب في ليبيا تحت راية محاربة الإرهاب، ماضون إلى تنفيذ مؤامرتهم فيما الإخوة الفرقاء هناك منشغلون بصراعهم المحموم على احتلال هذا الموقع السياسي والإمساك بتلك الحقيبة الوزارية، ومن شدّة الصّخب الذي يحدثونه، صمّت آذانهم عن سماع طبول الحرب التي تقرعها إيطاليا وفرنسا وأمريكا وألمانيا لفرض تدخّل عسكري الجميع يمكن أن يتصوّر نتائجه الكارثية، ليس فقط على أرض شيخ الشّهداء عمر المختار، وإنّما على الجوار والاقليم ككل.
ليبيا تنزف دما، وعوض أن تجد من يضمّد جراحها ويداويها، ها هي السّكاكين تُشحذ لتنحر ما تبقّى من روابط تجمع بين الشّعب اللّيبي الواحد، ولتعمّق الشّرخ الذي يستغلّه صانعو الإرهاب لمدّ تنظيم “داعش” والمجموعات الدموية السّائرة في فلكه حتى تكون ذريعة للتدخل.
وإذا كان الخيار العسكري في ٢٠١١ تحت مبرّر إسقاط النّظام السّّابق قد أشعل النّيران في ليبيا، فإنّ التدخل الذي يجري التّحضير له تحت عنوان “محاربة الإرهاب”، سوف يحرق المنطقة برمّتها، وهذا ما لا يمكن تقبّله بأيّ شكل من الأشكال.
إنّ الذين يلهبون الحروب التي تحرق المنطقة العربية، لا يهمّهم في واقع الأمر لا محاربة الإرهاب ولا إسقاط هذا النّظام أو ذاك، ولا حماية حقوق الإنسان أو إقرار الدّيمقراطية كما يزعمون، فكل همّهم، هو بيع السّلاح ونهب ثروات البلدان المستهدفة، ونحن نرى كيف يُسرق نفط العراق وسوريا وليبيا في وضح النّهار، والأقمار الصّناعية الغربية المكدّسة في السّماء تصوّر اللّصوص والبلدان التي تصلها الشحنات المسروقة، لكن لا أحد يحرّك ساكنا.
الذين يقرعون طبول الحرب، يعملون كلّ ما في وسعهم لإجهاض الحلول السّلمية، ويمنعون بكل الأساليب القذرة تنفيذ أي اتفاقيات يصل إليها الفرقاء، طبعا فهدفهم هو إشعال النّار التي لا تصلهم آثارها المدمّرة لكنها تجني على الشّعوب التي تطالها ويكتوي بلهبها الجوار، وفي المأساة الإنسانية السّورية خير دليل، فمن يدفع ثمن الحرب التي تخوضها عدّة دول فيما بينها على أرض الشّام منذ خمس سنوات؟ ومن يعاني تداعياتها غير الدول المجاورة؟
لا نريد حربا في جوارنا نتحمّل تداعياتها ووزر مآسيها الإنسانية، لهذا نتمسّك بضرورة إبعاد هذا الخيار، ونناشد الأشقاء في ليبيا وضع خلافاتهم جانبا والإسراع بتشكيل حكومة الوفاق، لتتولّى هي ومن ورائها الشّعب محاربة الإرهاب، فلن يحكك غير ظفرك.
تمرير السكّين على الجرح اللّيبي الدّامي لن يؤلم اللّيبيين وحدهم بل المنطقة بأسرها، لهذا وجب البحث عن العلاج الشّافي الذي لن يكون غير وحدة الصف والجنوح إلى السّلام وإنهاء الفوضى، ففي أجوائها المتعفّنة ينمو الإرهاب ويخطّط زبانيته مؤامراتهم المدمّرة، فهل يدرك اللّيبيّون طريق خلاصهم؟