تضرب الجزائر اليوم موعدا مع اعتماد دستورها الجديد المواكب للتطلعات والرّاسم لآفاق المستقبل، يوضع به حجر أساس جديد لمرحلة ديناميكية في مسار بناء الديمقراطية التشاركية وإرساء التعددية المتوازنة وتعميق الحريات الفردية والجماعية تحت مظلة دولة القانون التي تنهي كل تعسف أو تجاوز أو احتكار.
في هذا الإطار، يحسم البرلمان بغرفتيه مسألة التعديلات الدستورية التي أثارت نقاشات مستفيضة أثمرت توضيحا للرؤية الاستراتيجية وتدقيقا للمفاهيم، بما ينهي كل غموض ويبدد كل شكوك قد تلقي بظلالها على البعض أو تشغل بال البعض الآخر، في حين توفر التعديلات حماية متميزة للمكاسب الوطنية التي أثمرتها مسيرة أكثر من نصف قرن من التنمية والبناء والجهود الوطنية الضخمة المبذولة على امتداد التراب الوطني.
انطلاقا من هذا الحسم العقلاني في ظل حراك سياسي امتد إلى أكبر مجال من مساحة الرأي العام، لما يمثله الدستور من أهمية في ضمان الاستقرار المؤسساتي ويوفره من مرجعية صحيحة للمنظومة التشريعية الشاملة للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى تواكب التطورات وتستجيب لمتطلبات مواجهة التحديات التي تتطور مع تعاقب الأجيال.
من الآن فصاعدا، ينتظر أن تنصرف الجهود من كافة الشركاء نحو حشد الطاقات وتجنيد الإمكانات الوطنية والمحلية لدرء كل خطر محتمل يتهدد بلادنا التي تستهدفها جهات عديدة يزعجها عودة الجزائر إلى الساحتين الإقليمية والدولية، بعد أن طوت مرحلة عشرية سوداء وأجهضت مشروع زعزعة استقرارها، بفضل تماسك شعبها والتحامه بمؤسساته الجمهورية تتقدمها مؤسسة الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني في كسر شوكة الإرهاب ودحر المخربين ومطاردة أذناب عصابات الجريمة المنظمة والتهريب وصمام أمان لمقدرات الأمة.
في هذا الإطار، أوردت أحكام الوثيقة الدستورية الجديدة حلولا ومفاتيح تمنع حدوث أيّ مشكل طارئ، مما يضع المجتمع بكافة ما يحمله ويكتنزه من تعددية حزبية واختلاف في التوجهات وتعدد الرأي وحراك لا يتوقف (وكلها مؤشرات صحية) على درجة من الارتياح الذي يعمق الانفراج ويوفر المجال الواسع لممارسة جميع الحقوق المتضمنة في الدستور والقوانين المتفرعة عنه وتجسيد التطلعات المشروعة للأجيال في ظل الاستقرار الذي يمثل أكبر مكسب للمجموعة الوطنية ودعامة صلبة في مواجهة قضايا التنمية وإفرازات العولمة.