وأنا أتابع هذه الأيام فوضى مواقف وتصريحات المعارضة السّورية بخصوص مؤتمر “جنيف 3” ومسألة مشاركتها في مفاوضاته، استوقفتني مسألة في غاية الأهمية،وهي اقتفاء دور المعارضة في البلدان العربية بهذا الزّمن التّعيس، وكانت الخلاصة، أنّ الكثير من الوهن الذي يعيشه الوطن العربي والأزمات الغارق فيها، يعود بالأساس إلى الأدوار الفاشلة والمشبوهة التي تلعبها بعض المعارضة أو كلّها بعد أن تحوّلت إلى معاول تهديم بيد هذه الجهة والأخرى، وباتت صوتا ناشزا لا يرتفع إلاّ بالنّقد والرّفض لكل ما يصدر عن السّلطة الحاكمة، بل وبلغ الأمر بالكثير منها إلى استلال خناجر الطّائفية والعرقية والمذهبية، والمصلحة الذّاتية لذبح الوطن وتمزيق أوصال الشّعب الواحد، وإدخاله في حروب مدمّرة الرّابح فيها خاسر لا محالة.
مند أن تفجّر الوجع السّوري قبل خمس سنوات، تجلّى بوضوح أنّ المعارضة المنقسمة على نفسها المتعارضة حتى فيما بينها، تغرّد خارج سرب المصلحة الوطنية، فهي فضّلت العيش في أمن وأمان بعيدا عن الجحيم الذي يواجهه الشّعب السّوري يوميا، ولا تظهر إلاّ بين الحين والآخر كالدمى التي تحرّكها أيادي من وراء السّتار، لتصبّ الزيت على النّار ولتطرح مطالب ومقترحات وشروط هي في الغالب مطالب جهات داعمة لها تصفّي حساباتها على الأرض السّورية، التي تحوّلت إلى ساحة لحرب بالوكالة تخوضها دول عديدة، وقودها للأسف الشديد أبناء الشّام المغلوب على أمرهم.
ولا تشكّل المعارضة السّوريّة بمواقفها الشّاذة هذه حالة استثنائية، بل إنّها صورة مصغّرة لعموم المعارضة في باقي البلدان العربية التي نراها بعيدة كلّ البعد عن فعل المعارضة الايجابية والبنّاءة، فهي لا تسعى إلاّ للمسك بمقاليد السّلطة بأيّة وسيلة كانت، وصوتها لا يملك في الغالب غير الرّفض للحكم القائم ولكلّ ما يصدر عنه، وهي لا ترى من إجازاته ونجاحاته شيئا ولا تقدّر أوضاعه أو ضيق محيطه، وكل ما تستثمر فيه هو النّبش في إخفاقاته التي تتحوّل إلى علكة تلوكها ألسنتها الجارحة.
إنّ مفهوم المعارضة البنّاءة الذي يعكس سلامة الدّولة والنّظام الدّيمقراطي، قد يكون الغائب الأكبر في محيطنا العربي، لهذا وجب تصحيح هذا الخلل بالابتعاد عن وسائل العنف اللّفظي والجسدي، وتبنّي أساليب العمل السّلمية الحضارية تحت مظلّة المصلحة الوطنية والوحدة بعيدا عن الأجندات الأجنبية.
المعارضة التي من حقّها المشروع مراقبة السّلطة القائمة وحتى انتقادها بموضوعية، ومن حقّها أيضا الطّموح إلى الحكم من خلال تحضير النّخب وتأهيلها لذلك، يجب أن تكون صمّام أمان يصطفّ إلى جانب القيادة الحاكمة لمواجهة أي خطر أو انزلاقات وحتى حروب،فالوطن هو في البداية والنّهاية الهدف والمبتغى، وعلى الجميع التّكاثف والتّعاون لخدمته وصيانة أمنه ووحدته.
فأين لنا بمعارضة بنّاءة تعمّر ولا تهدّم، توحّد ولا تفرّق؟