لم يعد هناك أدنى شك في أن سياسة الضمان الاجتماعي هي إحدى أهم الوسائل لتحقيق الطمأنينة الاجتماعية، من خلال التقليص من حدة الفوارق الاجتماعية التي تؤثّر سلبا على الانسجام المجتمعي الذي أصبح أكثر هشاشة بسبب التطوّر الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت توفر مجتمعات افتراضية عابرة للأوطان تهدد الانتماء الوطني نفسه.
إن هذا يؤكد أن التأسيس لنظام ضمان اجتماعي فعال وجيد، يتعدى في أبعاده التعويضات المالية عن المرض والدواء، إلى تسجيل حضور دولة، إلى جانب مواطنيها، كراع لمصالحهم وضامنة لما قد تخبّئه حياة الإنسان من مفاجآت، بالإضافة إلى بعد آخر يتمثل في تعزيز أواصر تضامن ما بين الأجيال يمكنه أن يربط حلقاتها من خلال تحسيس كل واحد منّا أنه مطالب بالمشاركة في صناديق الضمان الاجتماعي من أجل الآخرين وهذا هو صميم التضامن الاجتماعي.
لقد قطعت الجزائر أشواطا معتبرة في سياسة التأمينات الاجتماعية التي أصبح التعويل عليها ممكنا كوسيلة للإدماج في الحياة الاجتماعية من خلال فتح باب الانخراط في صناديق الضمان الاجتماعي لكل فئات الشعب، خاصة الشباب منهم الذين يمارسون مختلف النشاطات خارج الأطر القانونية، وهي معضلة حقيقية أصبحت تشكل عبئاً كبيرا على الاقتصاد الوطني من ناحية وعلى الطمأنينة الاجتماعية بسبب اليأس الذي ألمّ بأولئك الشباب الخائفين على مستقبلهم الغامض وتوجّهوا إلى ممارسة كل أشكال العنف وكأنهم ينتقمون من مجتمعهم الذي لم يوفّر لهم أسباب العيش الكريم لا في الحاضر ولا في المستقبل.
الأكيد أن سياسات الضمان الاجتماعي التي تنتهجها الجزائر يمكنها أن تساهم بشكل كبير في الحفاظ على الاستقرار الوطني، في الوقت الذي أصبحت فيه السمة الغالبة في محيطنا القريب هي الفوضى وانعدام السلم. وبما أننا لا نعيش في جزيرة معزولة، فإننا مجبرين اليوم على توفير (المضادات الحيوية اللازمة) لكي لا نصاب بوباء الفوضى، خاصة وأن كل الاحتجاجات التي شهدتها دول الجوار وأدت إلى سقوط الأنظمة والحكومات، تمت تحت غطاء المطالب الاجتماعية، في حين كانت تخفي وراءها أشياء أخرى أماطت الأيام عنها النقاب لاحقا.
الأكيد أن صيانة كرامة المواطن من خلال رعاية اجتماعية ذات نوعية تحفظ له الكرامة وتقيه من خوف وما يدخره له المستقبل من مفاجآت، تعزّز في هذا الأخير روح المواطنة والانتماء وتحصّنه من كل المؤامرات والدسائس التي تستثمر في مثل هذه النقائص والاحتياجات لتجعل من هذا المواطن الوقود الذي يحرق نفسه ووطنه.