كل يوم تطلع علينا تصريحات لشخصيات كنا نظنهم مثلنا الأعلى، وقدوة الأجيال الصاعدة، وإرث نحافظ على تواجده، نعض عليه بالنواجد، نداري خفاياه وسقطاته في السر والعلن، نحاول أن نصنع منهم نجوما تزين مجد ثورتنا، وأمانة شهدائنا.
حملنا مشعل المحافظة عليهم وصونهم من الأذى العابر والغادر، لكنهم لم يكونوا في حجم تطلعات الوطن ولم يحافظوا على وديعة الأمس. فعن طريقهم نصل إلى خفايا الثورة وظواهرها نحاول استدراك الماضي من خلال شهاداتهم ومسيرتهم في النضال والكفاح، لكن بعد 54 سنة من الاستقلال، يخرج علينا هؤلاء بحرب ضروس، نفتقد من خلالها نخوة الجهاد فيهم.
للأسف تراشق بالعبارات بكل أشكالها، جهارا نهارا، وسب وقذف، وكلام للأموات قبل الأحياء، بنفس لوامة غير مطمئنة، أمارة بالسوء والتشكيك، نحاول فك شفرة توقيتها لكننا، عبثا إذ نحاول.
لا نلج التاريخ إلا من أفواههم، فهم دعائم الثورة ورفاق التاريخ، يسبحون في بحر لجيء فيه الغموض والمسكوت عنه، ما يعكر مزاج أمة بأكملها، ويشكك في تاريخ الأولين، مجرجرا الأجيال القادمة، خيباتهم وهم لا يتذكرون.
كل يوم تطلع علينا أسماء كنا نظنها في العتمة مصابيح نستنير بتفاصيل سيرتها الثورية، في غياب أرشيف يحفظ ماء الوجه، وإذ بها تلعن حظها في الأمس القريب، كما تلعن حمالة الحطب جيدها، وتنبش في جراح لا تقوى على نسيانها لأنها تتعلق بحاضرنا ومستقبل أجيالنا.
أسماء كثيرة ملأت صفحات المشهد الإعلامي بحكاياتها الصبيانية، وكأنها تنتقم من ماضيها القريب وأخرى كثيرة، تبوح بأسرار لم تقلها في تواجد الأحياء تقدم حقائق، مطعون فيها من رفاق الأمس.
لا أريد ذكر الأسماء هنا، بقدر ما أريد تنبيه هؤلاء إلى وضع حد لهذه الملاسنات العقيمة، التي لا تسمن من جوع ولا تغني من خوف، فلا الظرف والمكان يسمحان بذلك ولا الأخلاق تجبرنا عن تعرية سوأتنا، وكشفها للعلن في حرمة نوفمبر.
أليس من الأفضل أن يصمت هؤلاء.. حتى لا نقول شيئا آخر.