خلافا لما يسعى البعض إلى تكريسه في الذهنية المجتمعية منا أن الكارثة حلت وأن البلاد على عتبة تهدد المكاسب، فإن الوضعية بما تحمله من صعوبات وتعكسه من مؤشرات حمراء جرّاء تراجع إيرادات الخزينة العمومية، قد تكون المنعرج الذي يندفع فيه الاقتصاد الوطني نحو عهد جديد تتحقق فيه القطيعة مع الريع وتبنى أسس اقتصاد إنتاجي ومتنوع يرتكز على حرية العمل في إطار تكافؤ الفرص والمنافسة الشفافة وتحت مظلة دولة القانون التي تجد أبعادها في مشروع تعديل الدستور.
إلى جانب الدور الكبير الذي ينبغي أن تلعبه المؤسسة الإنتاجية في مختلف القطاعات التي لاتزال تحوز فيها الجزائر على قيمة مضافة تؤهلها لأن تصارع في الأسواق الخارجية، فإن الاستثمار من أجل التنمية يعني بشكل مباشر أيضا الجماعات المحلية التي يضعها الظرف الراهن، خاصة في ضوء التقسيم الإداري الجواري الجديد، أمام تحديات تستدعي منها أن ترتقي من وظيفتها التقليدية إلى وظيفة اقتصادية. وقد تم التأكيد على هذا المسار في اجتماع الثلاثية ببسكرة، منتصف أكتوبر الأخير، مقدما تعليمات دقيقة للولاة والمنتخبين بالعمل في الميدان لإنشاء مناطق صناعية جديدة والانتهاء من مسألة العقار الصناعي في أجل 6 أشهر وإطلاق حوار جواري مع الفاعلين في مجالات الاستثمار دون إقصاء أو تفضيل.
دائما على صعيد القرار السياسي، سبق أن أرسى مجلس الوزراء في اجتماعه ليوم 22 جويلية 2015، معالم هذا الخيار للخلاص من انعكاسات انهيار أسواق المحروقات، فور أن بدأ البرميل يفقد توازنه شهرا من قبل، فسطّر ورقة طريق تغطي المتطلبات وترفع التحديات في المديين القريب والمتوسط تحت عنوان “التعجيل بإرساء اقتصاد بديل منتج”، ينطلق من اعتبار الإنسان مصدر الطاقة والثروة ومنبع القيمة المضافة. ومن خلال مدّ جسور نحو المجتمع الواسع يمكن تجنيد الإمكانات وحشد الموارد نحو إنجاز الهدف.
في اجتماع ولاة الجمهورية الأخير، تم وضع كل الحقائق أمام الشركاء ليكون الجميع على دراية بثقل التحديات وضرورة الانتقال من مستوى التشخيص والتحليل للمؤشرات، في شكل يبدو أنه يأخذ طابع البكاء على الأطلال، إلى مستوى تجسيد البرامج في الميدان، وهو ما ينتظر أن يساهم فيه القائمون على إدارة الشأن العام المحلي باللجوء من خلال تغيير نمط التسيير من بيروقراطية تجاوزها الزمن إلى نجاعة ميدانها الورشات والمبادرة نحو الأطراف الخلاقة للثروة، خاصة وأن إدخال تكنولوجيات الاتصال الجديدة وتوسيع مجال الإدارة الإلكترونية المحلية خفّف من وطأة المهام التقليدية على الجهاز الإداري المحلي وحرر المسؤول ليتفرغ اليوم لمهمة التنمية من خلال جلب الاستثمارات ومرافقة المتعاملين وتأطير الورشات ومكافحة التبذير وتحرير المبادرة، مهما كانت صغيرة أو كبيرة.