تابعت بكل أسف أحدهم يتحدث عن معركة الجزائر واصفا إياها باللاحدث، مسلطا حكمه على أنها مرحلة لم تكن لها في الخريطة التاريخية آية لبنة.
لست أدري، هل هي أضغاث أحلام ؟ أم هي قفزة على خشبة التاريخ ؟ أم هو وحي يوحى؟
يعرف الجميع أن الثورة التحريرية انتقلت من الجبال إلى المدن بعد انقلاب 13 ماي 1958 ومجيء ديغول إلى الحكم عن طريق الدمويين صالان وماسو. وهما عصا ديغول في المدن وشال وموريس ذيله المتدلي في حدودنا الغربية والشرقية.
اعتمدت الثورة هدفين أساسيين لتفعيل أجيجها داخل المدن، إعلام السلطات الاستعمارية أنها لم تكن حرب عصابات أو جماعة من الفلاقة، كما روجت له الصحافة الفرنسية عن طريق وزير الداخلية الفرنسي ميتران في بداية اندلاعها بالأوراس.
بل هي ثورة شمولية ليست محصورة في منطقة دون أخرى، وهي امتداد جغرافي عبر كل الربوع مرتكزة على أهداف، من بينها فك الخناق عن المناطق المحاصرة في القبائل والأوراس، بعد العمليات العسكرية التي جاء بها ديغول وعمل على تنفيذها ألوية وعقداء الغطرسة الاستعمارية.
فكان لزاما على قيادة جبهة التحرير الوطني فرض خطة، لتكون البديل الاختياري لضرب القواعد العسكرية والأمنية الفرنسية في المدن، ومحاولة إلحاق الخطر بمراكز القرار الاستعمارية التي منها السياسية والعسكرية وحتى ما تعلق بمصالح المعمرين.
العاصمة قبل مؤتمر الصومام كانت المنطقة المستقلة، قبل تحضير الثورة على رأسها رابح بيطاط، فكانت أن احتضنت مجموعة الـ22، وقبل هذه الأخيرة كانت بصمة القادة السياسيين مفجري الثورة ماثلة للعيان من الحركة الوطنية إلى غاية إشعال فتيل الحرب.
معركة الجزائر كانت وستظل حلقة فيها ومالها من تاريخ ثورتنا المجيدة، لم تكن محصورة في شخصية دون غيرها، ولم تكن مرتبطة بأسماء معينة تعد على الأصابع، بل لحمة شعبية ساهم فيها كل السكان وسكان القصبة على وجه الخصوص ذبيح الشريف، عرباجي وغيرهم، موزاوي، وغيرهم، كانت قائمة مفتوحة على قوافل الشهداء والخيريين، ممن لم ينصرهم التاريخ لكنهم بقوا محفورون في الذاكرة بأحرف من ذهب.
يكفي فخرا أن معركة الجزائر حطمت مقولة فرنسا لا تنهزم، وغيرت المفاهيم العسكرية في حرب المدن، عجزت الغطرسة الفرنسية على قيد جماحها، فاشتعلت نارا ونورا، وصارت نموذجا يقتدى به في الحروب على أكثر من صعيد لأنها معركة من رحم شعب لا يقهر.