لا شك أن الشباب هو الطاقة الكامنة لكل أمة وأكبر ضامن لاستمرارية بقائها، وإذا كانت الجزائر تزخر بطاقة شبابية كبيرة، فإنه وبالمقابل هناك دول وأجناس سائرة في طريق الانقراض، أطلقت صافرات الإنذار، وتأتي اليابان على رأس تلك الدول التي تعاني شيخوخة مجتمعها وألمانيا لا تشذ عن هذه القاعدة، إلى درجة أن الحكومة الألمانية تخطط لاستضافة 1 مليون مهاجر لاستخلاف الملايين من العمال والموظفين، الذين أحيلوا على التقاعد، الشيء الذي تسبب في اختلال صناديق التقاعد في هذا البلد بسبب تراجع عدد المنخرطين الجدد في هذه الصناديق، الذين من المفروض أن يفروا بمساهماتهم الأموال المستحقة للمتقاعدين وهذا ما يفسر السياسة الألمانية اللينة التي انتهجتها حكومة ميركل في اتجاه اللاجئين أخيرا، عكس دول أوربية أخرى أبدت الكثير من الصلابة في التعاطي مع الظاهرة.
إن هذا الوضع يثبت أن الجزائر تمتلك ثروة كانت تغنينا عن البكاء والعويل على تراجع أسعار النفط والغاز، لو استغلت كما يجب، لأن الإنسان وحده مصدر ومحور كل الثروات التي لا نخاف من أن تزول أو تضمحل، لأنها دورة متواصلة لا تنقطع حلقاتها إلا بزوال هذا الإنسان نفسه.
وأعود هنا مرة أخرى إلى التجربة اليابانية النموذجية التي تعتبر رائدة في الوصول إلى التفوّق التكنولوجي الكبير والرفاه الاجتماعي، وهذا بالرغم من أن هذا البلد المترامي على شبه جزيرة زلزالية لا بترول فيها ولا موارد باطنية، ولكن رغم ذلك استطاع الفرد الياباني أن يحوّل تلك الظروف الصعبة والعراقيل الضخمة إلى محفزات حقق من خلالها المعجزة في ظرف قياسي، وهي معجزة لأن اليابان لم تكن بعد الحرب العالمية الثانية إلا دولة منكوبة خرجت من حرب عالمية تلّقت خلالها ضربات بأسلحة غير تقليدية أتت على كل مقدراتها وبناها التحتية. إن الجزائر لم يبق أمامها من خيار إلا الاستثمار في شبابها، وليس البحث عنه لدى الأجانب، الذين كثيرا ما يربطون استثماراتهم بحزمة من الشروط والاملاءات، تصل في بعض الأحيان إلى المساس بكرامتنا واستقلالنا السياسي والاقتصادي، الذي دفعت من أجلهما الجزائر ثلة من خيرة شبابها، الذين تحملوا وهم في مقتبل العمر، عبء تحرير هذا الوطن من براثن الاستعمار. الأكيد أن شباب جزائر اليوم هو من نفس معدن ذلك الرعيل من الشباب، الذي آمن بقضيته فصنع المعجزات، وهو قادر اليوم على صنع معجزة التنمية والرفاه، إن ترك له مجال الاجتهاد والنشاط، وإن توقفنا عن زرع الفشل بداخله بخطاب سلبي ومجحف، جعل ذلك الشباب ضحية للآفات والانحرافات وفريسة للتوظيف السياسي من الداخل والخارج لاستغلال طاقاته الهائلة في التخريب والهدم وإبقائه دون طموح أو تطلّع، لكي لا ينافس بعض من اعتبروا أن المشاركة في الحياة العامة حكرا عليهم وحدهم، وهذا الصنف هو أكبر خطر على الجزائر وعلى مستقبلها.