عاد نيكولا ساركوزي رئيس حزب الجمهوريين الفرنسي، إلى الحديث عن الجزائر مجددا كما عهدناه في كل مرة يجد فيها الفرصة، كما جاء على لسانه أول أمس، عندما أخذ الكلمة في اجتماع بأحد مراكز البحث بدبي بالإمارات العربية المتحدة، أين اتهم الجزائر بطريقة غير مباشرة بأنها تعرقل مسار الاندماج المغاربي بسبب غلق الحدود بينها وبين المملكة المغربية بسبب قضية الصحراء الغربية، وبدا ساركوزي في موقف يطلق فيه التهم جزافا في ملف لم يطلع عليه بالقدر الكافي، وتبين ذلك عندما قال إن الحدود بين البلدين مغلقة منذ عشر سنوات، في حين أن الكل يعلم أنها مغلقة منذ 22 سنة، وأن السبب في ذلك هي قضية الصحراء الغربية المطروحة منذ 1975 والحدود أغلقت سنة 1994، وهذا ما يبيّن أن خطاب ساركوزي أبعد ما يكون عن الواقع وفقير جدا إلى ما يكفي من المعطيات التي تسمح له بتقديم تصوّر موضوعي ومحايد لقضايا المنطقة، بل يظهر عليه التحيز والأحكام المسبقة، وتبيّن أنه خطاب زلفى وتقرّب موجه إلى الملك المغربي عبر سفيره في الإمارات العربية المتحدة، أو ما يشبه تقرير عن مهمة كلفه بها الملك عبر شاشات التلفزيون أو قل حملة دعاية وإعلان لإنجازات الملك محمد السادس، في موقف ذكرتنا بشعراء البلاط، إلى درجة أنه اعتبر أن الملك محمد السادس حظ لم ينله ولم يبق له إلا أن يتمنى أن يكون من رعايا جلالته.
ساركوزي لم يفوّت في تصريحه التحسر والأسف على تخلي بعض الدول عن مشروعه “الاتحاد من أجل المتوسط”، الذي اعتبره فرصة ضاعت على ضفتي المتوسط بسبب العراقيل التي واجهته - في إشارة ضمنية إلى الجزائر- وأضاف ساركوزي أن هذا المشروع هو مستقبل السلام والأمن في المتوسط ونسي أو تناسى أنه هو أحد المتسببين الرئيسيين في زعزعة أمن المنطقة عندما تدخل عسكريا في ليبيا وأدخلها في موجة من العنف والفوضى، ثم تركها لقمة سائغة للجماعات الإرهابية تحوّلت معها إلى مصدر تهديد لكل المنطقة.
ساركوزي قال أنه لن يقول شيئا عن الجزائر معللا ذلك أنه في كل مرة يدلي فيها بتصريحات حولها تحدث زوبعة من الردود، متناسيا أن تصريحاته غير المسؤولة والمستفزة وحشر أنفه فيما لا يعنيه ـ كما فعل هذه المرة من دبي، وأن “مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ” كما قال سيدنا علي (رضي الله عنه).
وبما أن ساركوزي يضمر الكثير من الحقد والكراهية للجزائر، ربط مجددا وبطريقة خبيثة بين الهجوم على متحف “باردو” تونس عندما تكلم عن لوحات السيراميك، وأثار رصاصات الهجوم الإرهابي على الحائط، مشبّها ذلك بالقرب بين الحضارة والبربرية، والمقصود من ذلك واضح وكان قد صرح به سابقا من تونس ولا يمكن لساركوزي التصريح بغير ذلك، لأن كل وعاء ينضح بما فيه.