يسجل في الباب الثالث الخاص بالرقابة ومراقبة الإنتخابات والمؤسسات الاستشارية. وفي المادة ١٧٣ ـ ١ التأسيس لمجلس وطني لحقوق الإنسان يوضع لدى رئيس الجمهورية حامي الدستور يتمع بالإستقلالية الإدارية والمالية، ولم يتوقف عند هذا الحد بل أن المادة ١٧٣ ـ ٢ تكشف عن حيثيات دقيقة في المهام المخولة لهذا المجلس في المراقبة والإنذار المبكر، والتقييم، ودراسة كل الحالات التي يعانيها أو تبلغ إلى علمه، ويقوم لكل إجراء مناسب في هذا الشأن، ويعرض نتائج تحقيقاته على السلطات الإدارية المعنية، وإذا اقتضى الأمر على الجهات القضائية المختصة ويبادر المجلس بأعمال التحسيس والإعلام والإتصال لترقية حقوق الإنسان.
ويلاحظ في هذا الشأن أن المشروع التمهيدي لتعديل الدستور أولى هذه المسألة الحساسة المتعلقة بحقوق الإنسان أهمية قصوى من ناحية التأطير والإحاطة القانونية والتنظيمية من الآن فصاعدا تكون وفق رؤية جديدة تختلف اختلافا جذريا عن سابقتها تتطابق مع مستجدات المرحلة داخليا وخارجيا وهذا بالعودة إلى التجربة الثرية المكتسبة في هذا الميدان الشائك والمرن في آن واحد، على ضوء ماتم الوقوف عليه في الواقع اليومي خلال السنوات الفارطة وهكذا تم الإنتقال من المرصد و اللجنة الاستشارية إلى المجلس وهذا في حدّ ذاته نقلة نوعية تدل دلالة قوية على الحرص الذي تبديه الجزائر تجاه هذا الملف الحيوي.
وتسمية المجلس في مفهومه الإجرائي هو أوسع من المرصد أو اللجنة بالمهام المكلف بها تتجاوز الإطار الاستشاري.. والمادة ١٧٣ ـ ١ واضحة كل الوضوح يوضع لدى رئيس الجمهورية وسيكون فضاءا لكل الناشطين في حقل حقوق الإنسان يجمع كل المؤمنين بهذا الأمر من منظور بارز لا تشوبه أي شائبة.
والمرصد الوطني لحقوق الإنسان السابق نشط في ظروف خاصة والنصوص المعدة له قيدته من الذهاب إلى عمق الأشياء، والطابع الاستشاري عطّل كذلك كل القرارات المزمع البحث فيها أو معالجة وقائع معينة نظرا لعدة اعتبارات في تلك الفترة، غير أنه وقف الند للند لتلك الحملات المغرضة ضد الجزائر.
في حين عملت اللجنة الوطنية الإستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان في ظروف صعبة جدا، وسعت من أجل مرافقة ملفات هي نتاج وضع أمني معين ناجم عن التسعينات وقدّمت كل الحلول المرجوة لإنهاء هذه الحالات، وبالتوازي مع ذلك رفعت تقارير سنوية إلى رئيس الجمهورية.
التعديل الدستوري جاء بآلية جديدة ألا وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليكون المساحة الواسعة لضم كل الكفاءات المهتمة بهذا الإختصاص في جو أكثر انفتاحا عن المرصد واللجنة.
ونعتبر هذا العمل خطوة عملاقة في مجال حماية حقوق الإنسان في الجزائر ويكفي فقط الإطلاع على وظيفته لمعرفة حضوره الميداني للتكفل بكل القضايا المطروحة هنا عنصر «الإنذار المبكر» والآخر الفعل البيداغوجي أي أنه بإمكان المجلس عن طريق آلياته المقترحة أن يستبق الأحداث قبل وقوعها، وهذا استنادا إلى معطيات موثقة في شتى الأماكن، وفي مقابل ذلك فهو مطالب بأن يتغلغل في قلب المجتمع والمؤسسات قصد إدراج «العمل البيداغوجي» الذي يعتمد على التواصل في تبادل المعلومة تجاه حالات معينة قد تكون مستعصية أحيانا.
ولابد أن يلقى هذا الإنجاز التثمين اللائق من قبل كل الناشطين خاصة ذوي النزعة المنتمية إلى المجتمع المدني الذين يولون اهتماما فريدا لهذا الموضوع، نفس الشيء بالنسبة للحقوقيين وغيرهم من الشخصيات التي تهتم بهذا الشأن المسؤول.
ويأتي المجلس الوطني لحقوق الإنسان لاستكمال الرصيد السابق من هذا الأداء يضاف إلى التجربة الجديدة المزمع الإنطلاق فيها مستقبلا، ويعوّل كثيرا على هذه الآلية من باب كونها بداية لتصور قائم على منطلقات نشاط جديدة، على قواعد شفافة تكون الرد المباشر والمناسب على التقارير الدولية المزيفة ضد الجزائر التي تعدها أطراف معروفة، همّها الأوحد الوحيد إلحاق الضرر المعنوي بهذا البلد، وتعمل وفق معايير سياسوية دنيئة، مستندة إلى معطيات تعود إلى التسعينات، ترفض ما يصدر على مؤسسات الجزائر في مجال حقوق الإنسان لتبحث عن بديل آخر تدعي بأنه «غير حكومي» أو «مصدر مستقل» لأخذ منه معلومات مغلوطة لا أساس لها من الصحة، وهذه معركة تتطلب من المجلس الوطني لحقوق الإنسان القادم الفوز بها مهما كان الأمر إنه التحدي الذي يستدعي رفعه ردا على هؤلاء.