الصيغة الجديدة لتسيير المواعيد السياسية الكبرى في الجزائر، خصص لها حيز هام في التعديل الدستوري الحالي، تثبت ضمانات النزاهة والشفافية تجاه كل الفاعلين في الساحة الوطنية خاصة الأحزاب.
وفي هذا الإطار جاءت الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، لتحل محل الآليات الأخرى التي كانت مكلفة بمتابعة هذه العملية في الميدان بكل مراحلها التقنية وغيرها خلال السنوات الفارطة.
والتجربة التي مرت بها الجزائر في مسيرتها لبناء مؤسساتها، سمحت باكتساب أدوات التحكم في الجانب التنظيمي بشكل فعال، بشهادة كل الذين وقفوا على هذه الأحداث التاريخية، مما أدى اليوم بالاهتداء إلى هذه الآلية.
وستعزز هذه الأداة المسعى القائم على وضع تصور دقيق للفعل الانتخابي في الجزائر، ينطلق من المحليات والتشريعيات والرئاسيات.
هذه الهيئة يجب أن نعي جيدا ونلاحظ بإمعان بأنها غير مرتبطة بالرئاسيات فقط، وإنما أتت بالطابع العام الذي تُضْفيه على كل محطة من المحطات لانتخاب أعضاء المجالس المحلية والمجلس الشعبي الوطني ومنصب رئيس الجمهورية، وتسميتها تحمل دلالات سياسية قوية على أنها هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، لها الصفة الرسمية والمكانة والهامش والوظيفة، يعود إليها القرار في الوقوف على مدى تطابق الفعل الانتخابي مع المهام المخولة لها.
زيادة على أن هذه «الصيغة الجديدة» تعتبر نقلة نوعية في العمل السياسي بالجزائر، تترجم الاتجاه العام الذي بنى عليه الدستور المعدل ألا وهو ضبط العلاقات المؤسساتية وفق منظور الانفتاح أكثر نحو تجذر مفاهيم الديمقراطية والتعددية وهذا بتقليص نهائي لدور الإدارة.
وقوة هذه الهيئة تكمن في استقلاليتها المعنوية بها ومن إعداد النص الذي يسيرها مستقبلا فإننا سنكشف أو نطلع على حضورها في الواقع، عندما تدخل حيز التنفيذ تفاديا لكل القراءات من هنا وهناك.
وعليه فإن هذه الآلية جاءت استجابة لاقتراحات المشاركين في الاستشارة الواسعة، التي تمت على ٣ مراحل، وما على الفاعلين السياسيين إلا تثمين هذا المكسب والعمل على ترقيته أكثر فأكثر من خلال الانضمام إلى عملية الإثراء في مضمونه لاحقا، كونه يعني هؤلاء مباشرة عند تنظيم الانتخابات على المستويات المعروفة.
وبهذا يكون الجميع قد تخلصوا من تلك الهواجس فيما يتعلق بمسار ومراحل الانتخابات ويدركوا أن أصوات الناس محمية، ولا يتأتى ذلك إلا بتفاعل السياسيين مع الدستور الجديد، لأنه لا يعقل أن ننظر إلى وثيقة مثل هذه من زاوية معارض في هذه الحالة فإن الأحكام المسبقة والخلفيات هي التي تحل محل النظرة الموضوعية والواقعية هذا هو الأمر الذي يلاحظ في الوقت الراهن للأسف.
قد نتحفظ على مشروع معين، أو نص معد لتأطير مسألة معينة، لكننا لا نستطيع الطعن في الدستور، لأنه أسمى وثيقة لم يدون من أجل فلان وعلان، وإنما لبلد بأكمله، هو تتويج لورشة واسعة لتكييفه مع المتطلبات الداخلية والمقتضيات العالمية، وعلينا أن نفهم هذا الإنشغال فهما دقيقا، خاصة الشركاء السياسيين، على أننا مقبلون على مرحلة أكثر إنفتاحا في المجالات التي كانت محل مطالبة من قبل الأحزاب، هذا كله ينظمه القانون وفق رؤية جديدة مصدرها الدستور الذي أعطى كل ما يجب للجزائريين في الحقوق والحريات والواجبات والقضاء وغيره من القضايا، تجاوز بكثير ما يشدد عليه البعض بالتوافق، لا يمكن أن يكون أي دستور في العالم توافقيا، لأن طبيعته مؤسساتية لا تخضع للآراء، وقاعدته ثابتة في مهام ووظائف المؤسسات والسلطات.