أعتقد جازمة بأنّ إعدام الشيخ الشيعي نمر باقر النمر ثمّ الاعتداء المرفوض على السفارة السعودية في إيران، لم يكن غير القطرة التي أفاضت كأس التوتّر بين الرياض وطهران، فالعلاقات بين القوتين الإقليميتين الرئيسيتين لم تكن بحاجة إلاّ إلى عود ثقاب مشتعل ليلهبها،
وإلى صفيحة بنزين لتؤجّجها، وهو الأمر الذي حصل، لنقف اليوم على أزمة جديدة جاءت لتلقي بظلالها الدّاكنة على المنطقة الغارقة في الحروب والفوضى، المتشبّعة بالمعضلات الانسانية الرّهيبة.
في الواقع التّصعيد بين السعودية وإيران لم يكن مفاجئا بالمرّة، فقد كان متوقّعا أن يأتي يوم وتنفجر فيه تراكمات الخلافات حتى لا نقول العداء الذي ظلّ يكبر بين البلدين، محدثا شرخا يهدّد توسّعه بإسقاط المنطقة كلّها في فخّ الصّراعات المذهبية والطائفية، الرّابح فيها خاسر لا محالة.
والمثير للقلق أنّه في الوقت الذي كنّا ننتظر فيه تحرّكا سريعا وتوسّطا نزيها لتطويق الخلاف المتفجّر بين الرياض وطهران، فإنّنا نراه يتوسّع
ويأخذ منحنيات تصعيدية مخيفة، طبعا فالضجيج والصّخب الذي يحدثه المؤجّجون الذين يصبّون البنزين على النار لا يترك مجالا لسماع الأصوات الداعية إلى التهدئة والحوار.
لا يمكن النظر إلى التوتر المتفجّر بين السعودية وإيران، كخلاف ثنائي يعنيهما دون غيرهما، بل على العكس تماما فحجم البلدين، مكانتهما
وتأثيرهما على المنطقة، يجعل السحابة الي تعكّر صفو علاقتهما تمتدّ لتغطّي كلّ الجوار، لهذا سيكون لهذا التوتّر انعكاساته السلبية على الأزمات التي تعصف بالمنطقة، بداية بالمعضلة السورية، اليمنية، الوضع في العراق، الحرب على “داعش” الارهابي، ثم المحادثات من أجل تحقيق استقرار أسعار النفط ووصولا أخيرا وليس آخراً إلى الاستحقاق الرّئاسي في لبنان...
التّبعات السياسية وحتى الاقتصادية والاجتماعية للتوتر السعودي ــ الايراني، كثيرة وكبيرة، لهذا وجب تغليب لغة الحوار والتّهدئة لتفادي انزلاق سيزيد من تعفين الأجواء في منطقة لم تكن يوما في مأمن عن سهام الفوضى والأطماع الخارجية التي تعكّر الأجواء لأنّها لا تحسن الصيد إلاّ في المياه العكرة.