ركائز المؤسسات

جمال أوكيلي
11 جانفي 2016

المشروع التمهيدي لتعديل الدستور حمل آليات توازن في مهام ووظائف السلطات والمؤسسات لأداء قائم على الدقة لتفادي كل أشكال التفاوت والهيمنة أو بالأحرى الغوص في المواد المثبتة والمقترحة لسد كل الثغرات التي قد تتراءى بأنها تحتاج إلى تكفل كامل.
وهذا ما عمل عليه كل من اقترح لبنة وفق النظرة المرجوة التي تراعي الانشغالات والإرادات الصادقة التي ترغب بأن تكون هذه الوثيقة البوتقة التي تنصهر فيها الأفكار الثرية الزاخرة بالإضافات العملية القادرة على صناعة نص كفيل بترجمة كل ما هو بناء ومثمر يخدم مصلحة الجزائر ومؤسساتها الوطنية بكل أشكالها الأمنية والسياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية.
هذه الأبعاد المذكورة، هي التي بُني عليها هذا المشروع، أي الانطلاقة تكون من مسافة واحدة وهذا في حد ذاته حرص لابد من التذكير به من باب الرهان المستقبلي الثابت في وجدان الكثير من الجزائريين العازمين على إدراج مواد مفصلية وحاسمة وتدعيمها بقوة، كانت دائما أمل الجميع في حضورها ضمن نص يعتبر الأسمى في البلاد ألا وهو الدستور.
ولابد من القول هنا بأن المشروع التمهيدي هو أقوى من التوجه التوافقي الذي يردده بعض السياسيين... لماذا؟ لأنه لم يبنَ للأحزاب وإنما جاء من أجل الشعب الجزائري، هناك فصل كامل عنوانه «الشعب» والتشكيلات السياسية لها مواد خاصة بها فقط، توسعت أكثر في المادة ٩٩ مكرر المتعلقة بالمعارضة البرلمانية وهذا تثمين لهذه الكيانات في مجال نشاطها.
علينا إدراك هذه التحديات في وقتها القياسي والآني وهذا بطرح توجهات دستورية جديدة لم تكن من قبل، وورودها هذه المرة هو بمثابة قناعة عميقة وحس بعيد وفعل ملموس، لأن تكون الجزائر في مستوى الأحداث لمواجهة أي طارئ... وهذه التفاصيل في الحيثيات الدستورية هي التي تقدم لنا القراءة الملخصة لطبيعة النظام السياسي القائم.. ولا توجد في دساتير العالم إشارة مباشرة إلى التسمية وإنما ما منح من صلاحيات للمؤسسات ورموز الدولة، تحدد لوحدها الخيار إن كان رئاسيا أو برلمانيا أو شبه الأول أو الثاني سالف الذكر.
لذلك، فإن التوازن هو السمة الفاصلة في هذا الدستور، حتى أن الأطر الجديدة والكثيرة المقترحة كمجمّع للغة الأمازيغية، ومجلس أعلى للشباب، وأخرى للبحث العلمي وغيرها... مدسترة بشكل رسمي، لكن في مقابل ذلك أحيلت على القانون العضوي وهذا ما يعني أن النصوص المسيرة لهذه المؤسسات هي التي تحدد نشاط كل واحدة منها وفق مبدإ التوازن... وهذا بنزع عنها ذلك الطابع السياسي، ليحل محلها المنطق التنظيمي البحت والعلمي حسب طابعها.
وفلسفة المشروع التمهيدي للدستور ركائزها أريد لها أن تكون قوية في وجودها الميداني حتى تستطيع استخلاص تلك القيمة التي يشعر بها كل من يهتم بهذه المجالات الحيوية التي دخلت هذا الفضاء، قصد منحها صفة الديمومة حتى لا تتعرض لأي قرار آخر، كالحل أو الإلغاء، هذا ما يؤكد تلك النظرة الثابتة في أداء المؤسسات.
هذا هو مضمون كل هذه التعديلات المدرجة في المرحلة الحالية؛ بمعنى إضفاء الفعالية على المؤسسات وتقوية نشاطها، سواء في إثراء الحياة السياسية أو مجال آخر وتكون هذه الأخيرة - أي المؤسسات - هي المرجعية الأساسية بدلا من أشياء أخرى.
ليس من حق أي أحد أن يصدر أحكاما تجاه هذه الوثيقة، بل المطلوب اقتراح ما يراه مناسبا تجاه المواد المعنية بالتعديل وهذا فعل حضاري كبير يعكس تلك المسؤولية حيال هذا المشروع الوطني التاريخي الذي يؤكد على الفضاء البيداغوجي لهذا النص الهام.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024