تشكل هذه الديباجة جزء لا يتجزأ من هذا الدستور، هكذا جاءت هذه الجملة الجامعة المانعة المكونة من تسع كلمات ذات دلالة عميقة في البعد السياسي لما يرد فيما بعد من مغزى في تثبيت مرجعيات تاريخية وإنتماءات عقائدية ومنطلقات حضارية.. تأتي كمواد مدسترة تترجم كل إنشغالات بناة هذه الوثيقة واستشارات صناع الأفكار النيرة والآراء البناءة والإقتراحات المثمرة.
هذه المساحة من القراءة الشاملة للمحطات الناصعة لتاريخ الجزائر المقاومتي والثوري والنضالي، سجلت بإمعان الوقفات البطولية لهذا الشعب من أجل التكفل بمصيره، وإقراره بالخيار السيادي الذي يجعله في مصاف الكبار بامتياز.. وهذا بابراز التحولات المفصلية في مسيرته الوطنية المكللة بالإنتصارات.
والديباجة في هذا المشروع التمهيدي إنما هي مدخل لعرض حال لقضايا قوية اجتازتها الجزائر وحسمت فيها لصالحها كونها طبعت مرحلة هامة من وجودها ونظرا لحساسيتها وقيمتها تم تناولها بكل حيثياتها الدقيقة لتكون جنبا إلى جنب مع المسائل ذات الاهتمام البالغ.
وما يجب الإنتباه في هذا الإطار هو ورود مفهوم المصالحة في فقرة كاملة مختصرة لكنها حاملة لمعاني سامية «غير أن الشعب الجزائري واجه مأساة وطنية حقيقية عرّضت بقاء الوطن للخطر. وبفضل إيمانه وتمسكه الثابت بوحدته قرر بكل سيادة تنفيذ سياسة السلم والمصالحة الوطنية التي أعطت ثمارها وهو مصمم على الحفاظ عليها، وتبعا لذلك فإن الشعب يعتزم على جعل الجزائر في منأى عن الفتنة والعنف وعن كل تطرف من خلال ترسيخ قيمه الروحية والحضارية التي تدعو إلى الحوار والمصالحة والأخوة في ظل احترام الدستور وقوانين الجمهورية.
والتذكير بهذه الآلية السياسية في التمهيد للمحاور الكبرى للدستور، إنما هو ترسيخ في أذهان كل من عاشوا وعايشوا تلك الأحداث الصعبة على أنها كانت الفرج الذي أنقذ البلاد من مخالب الهمجية هكذا اختار الشعب الجزائري الحل الذي يراه مناسبا بأغلبية ساحقة بعد أن كلفه ذلك ضياع وخسارة ٢٠٠ ألف قتيل، و٢٠ مليار دولار، وكان من المستحيل الاستمرار في هذا الأمر.
ولابد من الإشارة إلى أن المصالحة الوطنية هي نتاج قناعة عميقة لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي بدأها بالوئام الوطني ثم فيما بعد مرحلة أعلى ألا وهي المصالحة لإنهاء المأساة، وهذا ما حدث، وحاليا فإن هذا الخيار الشعبي جاء بالاستقرار الكامل لربوع الوطن وسمح بالعودة إلى مسار التنمية الشاملة.
وإن لم ترد المصالحة كمادة قائمة بذاتها نظرا لعدة إعتبارات دستورية بحتة إلا أنها وجدت حيزا هاما في الديباجة في شكل قرار تاريخي صاحبه الشعب الجزائري.
وبتمعن أكثر في هذه الديباجة يتضح جليا بأنها تحمل قيما جديرة التذكير بها، منها «الشعب، الحرية، الكفاح، الوحدة، الديمقراطية، السلام، السيادة، الحوار، العدالة الاجتماعية، المساواة، الجمهورية، المشروعية، التداول، انتخابات حرة ونزيهة، العدالة» هذه المصطلحات أثرت الشرح الأولي، والتفسير العام لمحتوى دستور حيوي وعصري مرتبط إرتباطا وثيقا بالتطورات الداخلية والخارجية وهي مرونة معروفة في الأنظمة الدستورية المقارنة الخاصة بالدساتير.
وعليه فإن هذا المشروع التمهيدي سيكون في غضون فترة وجيزة معلما بارزا في نطاق التصورات الجارية من أجل إيجاد الصيغة الأجدر لتسيير مؤسسات الدولة الجزائرية، وفق منظور فريد ونوعي في آن واحد يراعي كل الخصوصيات الجزائرية ويعمل على تواصلها مع القيم الإنسانية العالمية.