حمل المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور - التي دخلت مرحلة عملية بعد الكشف عن مضمون الوثيقة أمس وعرضها للرأي العام - في الشق الاقتصادي أحكاما من شأنها أن تحسم الجدل حول مسائل لطالما كانت محور تساؤل حوّلته بعض الأطراف إلى ورقة ضغط لأطراف وابتزاز لأخرى لأغراض ضيقة أو مصالح فئوية لا يمكنها أن ترهن المصالح الكبرى للمجموعة الوطنية، ويتعلق الأمر بتأكيد ملكية الدولة لقطاعات استراتيجية دون المساس بخيار الانفتاح المدرج على مسار إنتاج الثروة واستغلال كل الموارد الوطنية في الاستثمار التنموي.
ووضعت التعديلات النقاط على الحروف بالنص على أن ملكية باطن الأرض والمناجم والمواد الطبيعية للطاقة والنقل السكك الحديدة والبحري والجوي والبريد والمواصلات تبقى بشكل واضح ضمن ملكية الدولة، التي تقع عليها أيضا بموجب التعديلات التزامات بحماية الأراضي الفلاحية باعتبارها ثروة للأجيال ولا يجب أن تنخرط في مسار التنمية المستدامة ولا تبقى عرضة للإهمال أو تغيير طبيعة نشاطها الأصلي مهما كانت طبيعة ملكيتها.
كما يكرّس المشروع دسترة حرية الاستثمار والتجارة التي يدرج تنظيم جانبها الخارجي ضمن صلاحيات الدولة وفقا للقانون مع الالتزام بحماية المستهلكين ومكافحة الاحتكار والمنافسة غير النزيهة مما يضع المستثمرين الذين ينخرطون في مسار الشفافية والخضوع للقانون والتنظيم الساري في البلاد على درجة من الطمأنينة والتفرغ للمشاريع والإنجاز في ظل الضمانات التي تحمي الملكية وتمنع كافة أشكال الفساد.
وبموجب ما ورد في الوثيقة فإن التعديلات تكرّس على الخصوص حضور الدولة في الساحة الاقتصادية كطرف فاعل في التنمية وحامي التوازنات الاقتصادية والاجتماعية انطلاقا من خيار اعتماد اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يراهن على المبادرة الاستثمارية لكافة المتعاملين مؤسسات ومواطنين وطنيين وأجانب تحذوهم قناعة المشاركة في البناء الوطني في ظل احترام القانون والتزام قيم تكافؤ الفرص وشفافية التعاملات انطلاقا من السعي إلى بلوغ هدف واحد هو إنشاء الثروة وديمومة التنمية الوطنية.
وخلافا لما ذهبت إليه بعض التحاليل المتسرعة فإن هذا الحضور في الحقل الاقتصادي الاستراتيجي مسألة ثابتة في المراجعة الراهنة للدستور، غير أن أفضل سلوك لتعميق دسترة المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي حقّقتها المجموعة الوطنية على مر أجيال الاستقلال يتمثل أساسا في انتقال كافة الفاعلين في الساحة الاقتصادية إلى وتيرة قوية في العمل من خلال رد الاعتبار للإنتاج في كل القطاعات وحماية الأملاك العمومية والخاصة التي يرتكز عليها الجهاز الإنتاجي المعوّل عليه في تجاوز الظرف الراهن المتسم بجملة من الصعوبات الناجمة عن انهيار أسعار البترول.