لحظات إنسانية مؤثرة.. عاشها الجزائريون إثر وصول جثمان الراحل حسين آيت أحمد.. إلى أرض الوطن ليوارى في تربته الطاهرة.. والذي لطالما حمله في قلبه في مسيرة العمر النضالية من أجل قناعات.. كان دائما يدافع عنها بكل مايملك من عطاء سياسي في إطار الحزب الذي أسسه بعد الإستقلال.
الاستقبال الرسمي لجثمان هذا الرجل، كان في مستوى مقام ماقدّمه للجزائر طيلة حياته.. يترجم حقا تقديم البلد لأبنائه البررة الذين خدموه في أحلك الظروف من أجل نيل الإستقلال وواصلوا دربهم باتجاه التنوير لأفكارهم حيال مشاريع سياسية.
وهذا بذاته اعتراف لكل من كرّس حياته لوضع لبنة تشييد الجزائر.. حتى وإن كان ذلك بالكلمة الطيبة والرأي السديد.. والنظرة الحكيمة هكذا سعى آيت أحمد أن يكون الخط الذي اختاره في نشاطه تارة بداخل الوطن وتارة أخرى خارجه.
ويستحضر الكثير.. و هم يودعون آيت أحمد الثابت على مبادئه.. القيم النادرة التي تركها.. وعمل من أجلها.. لتكون مرجعية لهذه الأجيال الصاعدة في معرفة حقا معنى النضال من أجل قضايا معينة.. وضع دائما في أولوياته السلم والاستقرار.. ثم تأتي الديمقراطية.. وهو سلوك حضاري في العمل السياسي أي التفكير في الوطن قبل أي شيء.
وهذه هي طينة رجال الثورة وكل من يعرف قيمة الوطن وماكلف الجزائريين من ضريبة الدم.. منذ أن غزت فرنسا هذه الأرض.. ولهذا كان يدرك جيدا أو يفرّق بين الممارسة السياسية البناءة القادرة على تقديم إضافة والإساءة للآخر.. وكان آيت أحمد من الصف الأول.. أي الرجل الذي قدّم ما استطاع من أجل أن يرى الجزائر في وضع كان يأمله.
هذا ماجلب له كل هذا الإحترام.. زيادة على ذلك رغبته في إثراء الحياة السياسية منذ الانفتاح خلال التسعينات.. على أن تكون تشكيلته حاضرة في كل المواعيد والأحداث الكبرى في الجزائر.. كانت تحت إشرافه شخصيا.
ولايفوتنا التشديد هنا بالمكانة الخاصة التي يحظى بها.. الفقيد أحمد لدى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة.. تقديرا لمسيرة هذا الرجل من بداية مقارعته للإستعمار إلى غاية الإستقلال.. وبرقية التعزية الموجهة لعائلته.. كانت قوية في مضمونها تجاه هذا الثوري والمجاهد والمناضل.. وما اتّسم به من صفات ومبادىء ومواقف يشهد عليها التاريخ.
هؤلاء الرجال الذين أفنوا حياتهم من أجل الجزائر.. يوليهم بلدهم عناية استثنائية.. ووفاء خالصا.. وحبا لانظر له.. وكان ذلك مع الرئيس السابق أحمد بن بلة، والرئيس الشاذلي بن جديد.. وعلي كافي.. وشخصيات تاريخية أخرى.. هذا هو مفهوم المصالحة بأبعادها الواسعة.. التي تخدم الوطن قبل كل شيء.. وترمي باتجاه تقوية اللحمة بين أبناء الشعب الواحد.. وتجعلهم في مصاف الكبار. والتاريخ يشهد بأنه في كل مناسبة وطنية عزيزة على الجزائريين.. يجمع الرئيس بوتفليقة.. الشخصيات التاريخية التي تولت أعلى منصب في البلاد.. (بن بلة، بن جديد، كافي) كما يستضيف أعضاء مجموعة الـ ٢٢ الذين بقوا على قيد الحياة، وكذلك كبار الضباط خلال الثورة.. وهذه شيمة من شيم التشبث بالعهد تجاه الثورة والوطن.. في إعادة أو ردّ الاعتبار إلى كل من ضحى لأجل هذا البلد.
وهذه القناعة النضالية القوية.. تستمد دائما من منهل الثورة الجزائرية، برجالها الأفذاذ الذين طردوا أكبر قوة استعمارية.. وهؤلاء الرموز يتطلب الأمر حماية تراثهم الثوري لذلك أدرج هذا الجانب الحساس في الدستور.. وهذا لمنع أي مساس بهذه الفئة.