ما تعيشه اللغة العربية اليوم من تغييب إنما يراد له التشويه، ومحاولة إبعادها عن وظيفتها السمحاء في شق طريق التواصل، والثبات أمام اللغات الأخرى، تارة بحجج واهية، وتارة أخرى بدعاوي أنها ليست وسيلة للتواصل في ظل عالم صار قرية صغيرة.
اللغة العربية وأمام الانسلاخ المسيىء والمشين الذي تشهده العلاقات الإنسانية، سواء على مستوى الكتابة أو على مستوى المحادثات اليومية، لهو بالأمر الأسوء من تركه هكذا دون التصدي له.
فقد تحولت شوارعنا، جلساتنا وجامعاتنا ومراكزنا الثقافية إلى حلبة كلامية اختطلت فيها اللغات الأجنبية واللهجات من العامية والدارجة، إلى إستعمال بعض المصطلحات لتقريب الفكرة المراد لها، دون حضور لغة الضاد التي تغيب نهائيا وكأنها طراز قديم انتهى مع العصر الجاهلي أو العباسي.. صحيح أن اللغة متعلقة بالألسن، والألسن في الغالب تصاحبها الفطرة الإنسانية الاولى، فلماذا إذن نعجز عن التحدث باللغة العربية في مشاهدنا اليومية وكأننا نتهرب منها، كوصمة عار ألصقت بنا عنوة، فيما يتحدث غيرنا من الأجناس الغربية لغاتهم دون عقدة، ولاركاكة، جمع تكسير.
نستحي أن نحرر وصفة طبية بالعربية، وأجدادنا أول من عرف الطب وهم أول من اكتشف الصيدلة، نستحي أن نخاطب غيرنا بالعربية وأجدادنا من روضوا الأقوام التي خلت على فهمها ونطقها، نستحي أن نمارس اكشافاتنا وبحوثنا وأباءنا الأولون من صنعوا مجد الحضارات القديمة، وعربوها..
غياب أريد له حجب لغة الضاد عن حقيقتها بإيعاز خارجي في عالم تتصارع فيه القوى يكون فيه الضعيف فريسة سهلة المنال.
تحضرني مقولة يقول فيها صاحبها: من خذل نفسه لا يرحمه الغير، ونحن أمام خيارين لاثالث لهما.
فأما الخيار الأول فقد فصل فيه في السماء السابعة بقوله تعالى: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» والمراد هنا القرآن العربي وليس هناك إرادة تضاهي القدرة الإلهية، وعليه فإننا ملزمون بالدفاع عنها غير مخيرين ولا مبدلين.
وأما الخيار الثاني فهو الإنسلاخ من رداء الانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس قائدها محمد العربي، والذهاب بعيدا إلى عالم تضيع فيه الاخلاق والقيم، مدركين أن للكعبة رب حاميها.
كل عام واللغة العربية بخير وتحيا وحية في القلوب والصفحات.. كل سنة وهي أزلية خالدة في الأعياد وفي غيرها.
وفي الأخير.. ستظل اللغة العربية سيدة الحضور والغياب سواء في عالمها الأرحب أو في عالمهم الإفتراضي المنتهي للزوال.