آثار الخبراء المشاركون في الجلسات الوطنية للتّهيئة العمرانية ملفّات شائكة تتعلّق بالتّصوّر الشّامل للجزائر خلال العشريات القادمة، وهذا بالتّركيز ضمن الأولويات المطروحة على التّوازن في الإقليم القائم على سياسية متكاملة في رؤية الإنسجام بين مناطق الشمال، الجنوب، الشرق والغرب في طابع التّوزيع العادل للمرافق وفق تصاميم هندسية تليق بكل جهة.
وفي هذا السّياق، يندرج التوجه الخاص باستحداث ولايات منتدبة ستكون النّموذج في هذا المجال، كونها ما تزال تخضع لدراسة معمّقة من كافة الجوانب، انطلاقا من الإعتماد على قاعدة التّوازن في الإنجاز والخدمات، بناءً على تعليمات صارمة تقدّم للجهات المعنية تشدّد على ضرورة احترام الوجه العام للمدينة، وعدم التّجاوز في مسائل حيوية.
إلى جانب الولايات المنتدبة، هناك المدن الجديدة سيدي عبد الله، بوغزول، حاسي مسعود حديثا ودراع الريش، هذه العيّنات حاضرة وجاهزة من خلال أنّها محلّ متابعة دائمة من قبل السّلطات العمومية، وفي هذا الشّأن فإنّ التوجه الذي دعا إليه الخبراء هو إنشاء مرصد وطني للتّهيئة العمرانية يدعّم بتقييم مفصّل للمخطّط الوطني لتهيئة الإقليم (٢٠١٠ - ٢٠٣٠)، يضبط كل التّشخيص الذي يتمّ بموجبه إيجاد البديل اللاّئق لإبداع جزائري في مسألة الإقليم.
ومهما قيل فإنّنا لا نتصوّر ذلك الفصل بين الإقليم والقانون، حتى وأنّ القضية لم يشر إليها في الجلسات إلاّ من خلال بعض الأحاديث الضّمنية التي تناولت زاوية أو مشكلة التّنسيق بين القطاعات، إنعدام هذا العامل أثّر كثيرا في سيرورة هذا المخطط، إلى درجة أصبح انشغال الوصاية وزارة التّهيئة العمرانية والسّياحة والصّناعة التّقليدية من أجل طرحه على بساط
البحث والدراسة المعمّقة، وحتى مراجعته وإعادة النّظر في محتواه بعد مرور ٥ سنوات على صياغته، وهذا في حدّ ذاته تطوّرا ملحوظا من أجل مواكبة المستجدّات والتّطوّرات في هذا القطاع، بالتّوازي مع التّغييرات الجذرية الحاصلة في البناء والعقار والتّجزئة. هذه العوامل وغيرها هي محدّدات مفهوم الاقليم في قواعده وأسسه الأولية المكوّن للنّسق العام للمنطقة، وغير ذلك فإنّها عناصر مكمّلة للأخرى.
وعليه فإنّ الأمر يتطلّب العودة إلى وضع مبادئ صارمة في احترام الشّكل الهندسي للمدينة تبعا لما ورد في المخطّطات المحلية، بعدم القيام بإضافات لا تتماشى مع ما تقرّر في أول الأمر أي في أصول التصور، وكل من يقدم على انتهاك ذلك سيكون له القانون بالمرصاد، لذلك فإنّ المتابعة الميدانية حتمية على المستويين البلدي والولائي حتى لا يتحوّل الاقليم إلى وعاء غير متجانس.
ولابد لهذا المرصد أن يطلع بالمهام الواسعة المخوّلة له، القائمة تارة على التصور الاستشرافي والاقتراح الواقعي، وفي مقابل ذلك المراقبة، وإن لم تمنح له ممارسة سلطة معيّنة فبإمكانه أن يكون العين التي تسهر على عدم إفساد الاقليم، ومدى الالتزام بتطبيق التّعليمات في هذا الشّأن.
هذا الفراغ المؤسّساتي يمكن تداركه مستقبلا شريطة أن يندمج الجميع في هذا المسعى الوطني، ألا وهو حماية الاقليم من اللاّتوازن المسجّل حاليا، وحتى الفوضى أحيانا في توزيع العقار. هذه المعاينة موجودة في الميدان، ومدننا شاهدة على ذلك، فلابد من تصحيح هذا الوضع باتجاه احترام القانون.