أصبحت المسؤولية أكثر المحاور إثارة للاهتمام في الصحافة، حيث أصبحت العديد من الديمقراطيات التقليدية، وتعد الحديث عن المسؤولية في مختلف وسائل الإعلام عن الحرية. فالتجاوزات والمشاكل التي تثيرها الصحافة حاليا من خلال كتاباتها والصور والمشاهد والتبعات التي تحدثها، جعلت العديد من الخبراء والاختصاصيين يطالبون بضرورة تحمل الصحافيين مسؤولية كتاباتهم تجاه المجتمع وتجاه الآخر والحضارة والثقافة والرأي العام العالمي.
لقد قرر الصحافيون في الولايات المتحدة الأمريكية التنازل عن الكثير من هامش الحريات من أجل الرأي العام والمصلحة العليا، إدراكا منهم، من خلال نظرية المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، أن الإعلام مسؤول تجاه المجتمع شأنه شأن السلطات، وهو ما ولّد روحا جديدة في الصحافة الأمريكية باتت تتخندق مع السلطات ومؤسساتها العسكرية من أجل أن تبقى أمريكا مسيطرة، في عالم لا يرحم وصراعات معلنة وغير معلنة ستكون حاسمة لتسطير مستقبل الشعوب.
إن مسؤولية الصحافة في الجزائر مغيّبة، لأن واقعها مبهم وغير واضح وتميزه الفوضى. فالجميع يطالب بالحرية دون تحمّل تبعاتها وما تقتضيه من مسؤولية. فالصحافيون في قاعات التحرير ضحايا الخط الافتتاحي، فهم يكتبون من أجل إرضاء المساهمين وأرباب المؤسسات الإعلامية ولو على حساب قناعاتهم. فالحرية في هذه الظروف شبه منعدمة، فقد لا يتفاهم المساهمون مع مسؤولين أو مؤسسات كانت تمنحهم الإشهار، فتطلق عليهم أقلام الصحافيين يكتبون عنهم مقالات هي لتصفية الحسابات والتهجم على الجميع إلى أن يتم استرجاع تلك المزايا وبعدها نجد بعض المؤسسات الإعلامية تدخل في هدنة مع الخصوم ويطالبون من الصحافيين بتليين الكتابات تجاههم.
إن عدم السماح للصحافيين بالمساهمة في المؤسسات الإعلامية لن يمكن الصحافة الجزائرية من التطور، فالأقلام الصحافية تقف وراء تكوين ثروات طائلة لمساهمين بعيدين كل البعد عن المجال الإعلامي، يملكون المال وظفوا الصحافيين الذين أصبحوا رهائن سياسات هدفها جمع الثروة دون تحسين الأوضاع الاجتماعية للصحافيين.
إن الكثير من الزملاء في الصحافة الخاصة يشتكون من الأجور المتدنية ومن المعاملات التي تصل إلى حد الاستعباد والإهانة في الكثير من المرات، وكأن أرباب الصحافة يقولون لهم أنتم في أكبر الصحف الجزائرية سحبا فلا تطالبوا بأكثر مما تحصلون عليه.
إن حرية الصحفي رأسمال لا يمكن التفاوض حوله وإذا قبل الصحفي التنازل عن حريته فلا يمكن أن نعتبره مسؤولا وهذا هو حال الكثير من الصحافيين الجزائريين الذين ينتقدون كل شيئا إلا مسؤوليه في الجريدة أو القناة وهي الحلقة المفقودة في تطوير الصحافة الجزائرية.