يعود يوم 11 ديسمبر وتعود معه ذكرى تأسيس أول جريدة ناطقة باللغة العربية في جزائر الاستقلال، جريدة اسمها «الشعب» فكانت بالفعل مرآة لهذا الشعب الحالم بجزائر حرة ومستقلة استرجعت يوم 11 ديسمبر 1962، أي بعد أشهر قلة على الاستقلال إحدى مكوناتها الحضارية وهي اللغة العربية التي أراد الاستعمار الفرنسي أن يقطع كل خيط يربط هذا الشعب بأصالته وهويته ببعديها العربي الأمازيغي، ولم تنته المعركة باستقلال الجزائر وظلّت جريدة «الشعب» تواصل النضال والصمود أمام كل المحاولات الرامية إلى إجهاض هذا العنوان الذي اجتاز الكثير من المراحل الصعبة والحرجة ولعل من أبرزها العشرية السوداء التي حاولت أن تقضي على كل ما هو حي في هذا الوطن، من خلال قتل الكلمة وتوقيف الفكر لأن الآلة الإرهابية كانت تدرك جيدا أن الإعلام والفكر هو ألد أعداء ايديولوجيتها الظلامية والإجرامية، وتحملت جريدة كغيرها من العناونين الزميلة التي لم تسلم هي الأخرى من تلك الهجمة الشرسة والتي لم تفرق حينها بين قلم يخط بالفرنسية وآخر بالعربية لأن هدفها كان واحد هو إسكات كلمة الحق ليبقى الباطل وحده المسيطر على العقول والأفكار ولكن المهمة فشلت وتبين أن المعركة واحدة والعدو واحد يحارب كل العناوين الوطنية وكل الصور والأصوات دون استثناء وظل التزام الشعب واحدا كغيرها من زميلاتها وهو خدمة الجزائر والمواطن الجزائري عبر نقل صوته ونقل همومه ومشاغله إلى المسؤولين بداية من رئيس البلدية إلى رئيس الجمهورية.
نعم لقد حملت جريدة «الشعب» على مر 53 سنة هموم الجزائريين بكل مسؤولية والتزام بعيدا عن المحسوبية، الذاتية وعن الإثارة ولم تعوّل يوما على تلك المغريات الزائلة والظرفية لنيل أكبر قدر من المقروئية والتوزيع أو الحصول على الصفحات الاشهارية المسيلة للعاب والتي رهنت الخطوط الافتتاحية للكثير من العناوين وجعلتها مجرد بيادق في أيدي أصحاب المال والنفوذ على حساب المهنية والاحترافية.
نعم قطعت «الشعب» أشواطا معتبرة على طريق الخدمة العمومية الإعلامية ولا يزال الطريق أمامها طويلا وهذه الذكرى هي فرصة لإجراء عملية جرد حقيقي لما تحقق وما ينتظرها من تحديات تفرض عليها ديناميكية جديدة تزودها بآليات تمكنها من البقاء في زمن السماوات المفتوحة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت بدورها مصدرا للمعلومة وأصبحت تستهوي الشباب وتغري الكثير منهم بأخبار سريعة، وكل ذلك يدعونا إلى الابتعاد عن اللغة التي لا يفهمها الشباب وبهذا فقط سيكون لجريدة «الشعب» جيل يقرأها في المستقبل وسيظل يؤمن برمزيتها التاريخية التي يحملها تاريخ تأسيسها يوم 11 ديسمبر 1962، وأنها كانت بالفعل أول مدرسة لأجيال متعاقبة من الصحفيين والإعلاميين ينتشرون اليوم في كل العناوين والتلفزيونات والقنوات الإذاعية في جزائر يطبعها اليوم هذا الموزاييك الإعلامي الرائع.