لعب أرشيف جريدة «الشعب» دورا هاما في حفظ ذاكرة الشعب الجزائري وذلك منذ الاستقلال عام 1962، فقد خصص له حيزا كبيرا في مقر العنوان العتيق وكان يسهر عليه عمال أكفاء أخصائيون في المجال لضمان حسن تسييره بشكل منتظم، وبقائه كتراث تنهل من علومه ومعارفه الأجيال المتعاقبة.
هذا الخزان الفكري لم ينشأ فقط لجمع وحفظ مختلف الأعداد الصادرة عن أم الجرائد، بل هو أيضا ذاكرة الشعب الجزائري لأنه واكب جميع المراحل والمحطات الهامة التي مرت بها الجزائر...
وما يعكس أهمية هذا الأرشيف أيضا اتخاذه كمرجع للكثير من البحوث، حيث كان يتوافد عليه العديد من الأساتذة والطلبة الجامعيين وحتى المختصين في الميدان للحصول على المعلومات الصحيحة التي يدونها الصحفيون في مقالاتهم بعد تحري الصدق في نقل الأخبار والدقة والأمانة والموضوعية لنشرها.
وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وبإقرار الدولة للتعددية الحزبية والإعلامية في الجزائر سنة 1992، غادر الكثير من الإعلاميين جريدة «الشعب» وأسسوا جرائدهم الخاصة بالاعتماد على أرشيف اليومية بعد تحويل جزء منه لحسابهم الخاص.
في عام 1997 تم تغيير مقر “الشعب” من حسين داي إلى شارع باستور بالعاصمة، ونظرا لضيق المكان بالمقر الجديد تم وضع ما تبقى من الأرشيف بمستودعين يتواجد الأول بحي بلكور والثاني بباب الوادي، ومنذ ذلك الوقت لم يظهر له أي أثر... والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان في هذا الصدد، هل أتلف هذا الأرشيف أم غيب لغاية في نفس يعقوب......؟
بعد ضياع معظم أرشيف الجريدة حاولت الإدارة الجديدة عام 2012 تشكيل أرشيفا جديدا، إلا أنها لم تتمكن من ذلك لأن الأرشيف السابق لا يمكن أن يضاهيه أخر رغم بروز نية حسنة لإعادته، واقتصر الأمر على جمع أعداد معينة في مجلدات، لا يعكس ثراء أرشيف جريدة «الشعب» المدرسة والرمز.
ورغم كل هذه الظروف، ومنذ ذلك التاريخ ما يزال الأرشيف يؤرخ ويحتفظ به كمساهمة للتعريف بتاريخ الجزائر في كل القطاعات للأجيال مستقبلا.
ولحسن الحظ أيضا فقد تم مواكبة التكنولوجيا الحديثة في حفظ أرشيف اليومية الغراء لأن الأرشيف لا يتمثل فقط في الوثائق، بل يتعداه إلى الشكل الإلكتروني أيضا، من خلال إعادة رقمنته وما يسمح للقارئ الاطلاع على الأعداد السابقة بمجرد نقرة على لوحة المفاتيح الخاصة بجهاز الحاسوب فيسهل عليك تصفحها وقراءتها دون بذل جهود معتبرة. ونثني هنا على المجهودات التي يبدلها العمال التي أوكلت لهم هذه المهمة ولو بجمع جزء بسيط من الأرشيف لأن “الشعب” بدون أرشيف لا مستقبل له.
ويبقى الأرشيف الورقي شيء لا يمكن الاستغناء عنه لأن مكانته تفوق كل اعتبار إذا حافظنا عليه خاصة إذا علمنا بأن العمل بنظام الرقمنة بالإمكان التصرف فيه بأي شكل من الأشكال على خلاف الأرشيف الورقي الذي يعد وثيقة تاريخية وحجة دامغة.