وصفها كثيرون باللّحظة التّاريخية التي ينتظرها الشّعب اللّيبي ومن ورائه العالم أجمع بفارغ الصّبر لوضع أوزار الانقسام والاقتتال الدموي، الذي يفتك بأحفاد شيخ الشّهداء عمر المختار مند أربعة أعوام، وهي فعلا كذلك، فإعلان ممثّلين عن الأطراف المعنية في الأزمة الليبية التوصل إلى اتفاق سياسي يعيد ترتيب البيت الغارق في الفوضى هو بكلّ تأكيد انفراج كبير لمعضلة تمدّ ظلالها القاتمة إلى المنطقة برمّتها.
ورغم أنّ البعض يتخوّف من أن لا يلقى اتفاق المبادئ الذي وقّعه ممثّلو الهيئتين التشريعيتين المتنافستين (المؤتمر الوطني الليبي العام وبرلمان طبرق) حظّه من التطبيق، ويذهب أدراج الرياح كالاتفاقات العديد المعلنة سابقا، إلاّ أنّ كثيرين يعتقدون بأنّ الوضع يختلف اليوم بالنظر إلى الضّغوط الممارسة دوليا على فرقاء ليبيا للجنوح إلى السّلام والتّعجيل بتشكيل حكومة توافقية تمهد الطّريق لإعادة بناء مؤسّسات الدولة التي شهد العالم أجمع أطوار تهديمها وتدميرها الواحدة تلو الأخرى.
اليوم حسب اعتقاد هؤلاء هناك إصرار عالمي وغربي بالخصوص على حلحلة الأزمة الليبية، لأن تداعياتها اخترقت الحدود وتجاوزت المحيط ووصلت إلى عقر دار هذا الغرب الذي كان السبب من حيث يدري أو لا يدري في نسف وحدة ليبيا، وتحويلها إلى كرة من اللّهب الذي مدّ ألسنته ليلسع الجميع، كما جعلها مفرخة للارهابيّين وطريق عبور للمهاجرين السريّين واللاجئين الذين تكدّست بهم أوروبا.
لماّ وصلت لسعات النّار التي تحرق ليبيا الى قلب باريس، تجلّى بوضوح أن الغرب سيعيد نظره في العديد من القضايا والمسائل، وهو الأمر الذي حصل، إذ غيّر موقفه تماما من الرئيس السوري بشار الأسد، فبعد ما كان يرفض حتى ذكر اسمه،حوّله إلى عنصر أساسي في معادلة حلّ الأزمة السورية، والأمر نفسه بالنسبة للمعضلة الليبية، إذ ارتفعت الأصوات داعية إلى التّعجيل بإقرار تسوية سياسية في ليبيا، ورافق هذه الدعوات تهديدات بمعاقبة الذين يعرقلون مسار الحلّ.
السّياق العالمي اليوم يصبّ في اتجاه تسوية الأزمة الليبية، وحظوظ تطبيق اتفاق المبادئ المتوصّل إليه قبل يومين في تونس كبيرة هذه المرّة، وتبقى الكرة في مرمى الهيئتين التشريعيتين المتنافستين في ليبيا للاتفاق على تشكيل حكومة توافقية تقود فترة انتقالية تشهد إجراء انتخابات تشريعية في مدّة أقصاها سنتين، وتتوّج بإقرار دستور دائم وإعادة بناء مؤسسات الدولة وانتخاب قيادة جديدة تخرج البلاد من البئر العميق الذي زجّها فيه الرّبيع الدّموي.
ويبقى التّأكيد بأنّه لا مجال أمام اللّيبيين غير الاتفاق على التّسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة والدول الشّقيقة، فيكفي ما ضاع من سنوات ومن أرواح في ظلّ سياسة جلد الذّات التي لا يمكنها أن تأتي إلاّ بالويلات.