كيف يمكننا تحويل العمل الثقافي من عملية ابداعية وفنية إلى بضاعة إنتاجية، تساهم في بناء الدخل الخام، وتساير الاقتصاد الوطني شأنها شأن القطاعات الثانوية الأخرى.
المشهد الثقافي غني بالأعمال الفنية ومساير لتطورات الإنسان المختلفة، فلا شك أن القطعة المسرحية للمرحوم عز الدين مجوبي هي قيمة مادية تعرض على الخشبة، ويدفع الجمهور ثمن استمتاعه وانبهاره بالعرض، الذي يشاهده طيلة ساعتين من الزمن، وهنا يتوقف علينا طرح السؤال الجوهري حول هذه العروض، وكيف يمكننا خلق جمهور متذوق يدفع مبالغ مالية، مقابل متعة لا تحدث إلا في الخشبة، ويمكن تمديد العروض المسرحية على جميع أنحاء الوطن، ضمن برنامج سنوي، يتمتع فيه الجمهور بأبهى هذه العروض.
اللوحة التشكيلية هي الأخرى يمكنها المساهمة في خلق سوق، كما هو سوق الشعر في عكاظ، تعرض فيه اللوحات لفنانينا باختلاف مدارسهم الفنية ومشاربهم، وأكيد سوف تصدح اللوحات التشكيلية، برموزها وبألوانها، والعمل الجيد يفرض نفسه دون منازع، فالجزائر غنية بالمبدعين والفنانين، في الريشة واللوحة، وسيخلق هذا السياق منحى التنافس من أجل تقديم العروض المختلفة وتشجع المواهب للعمل أكثر وللإبداع بشكل دائم ومستمر، طالما أعمالهم ولوحاتهم تسوق حالها كسلعة قيمتها العرض والطلب.
ولنا في أبناء اسياخم وعمر راسم ومحمد لزرق وعائشة حداد والطاهر ومان وغيرهم من الأسماء، القدوة والانتماء لأنهم تركوا مدارس لأجيال مازلت تبدع في الريشة والألوان.
السينما هي الأخرى مساحة كبيرة للإبداع والدخول في عالم الصورة والاكشن، يمنحنا حتما المغامرة نحو نص جيد، أو أحداث قصة تجلب أكبر قدر من المشاهدين والمتتبعين، صحيح أن تجاربنا تختلف عن تجارب بعض الجيران، لكن هذا لا يمنعنا من خوض غمار المنافسة والتوجه نحو صناعة سينمائية، تكون المتعة فيها سيدة دون منازع، فلا غرو أن تساهم السينما في دول الجوار وحتى في العالم في مداخيل كبيرة لميزانية الدول، لا أريد الخوض في هذه المحطة عن واقع السينما في الجزائر وانتفاضتها وفي أعز أوجها، عبر عهود سابقة، كمؤسسة قائمة بذاتها، ولكن أريد، الحديث عن مشاريع سينمائية يمكنها القفز على التقنيات الحديثة للفيلم المعاصر، وتقديم الجميل والأحسن، لجمهور يتذوق الفن السينمائي ويتابع كل جديده
صحيح أن الكثير من أفلامنا ومخرجينا يملكون مؤهلات كبيرة في الميدان، لكن ما ينقصنا هو رسكلة تلك التجارب وتحويلها إلى خزان وطني يمكننا اللجوء إليه الآن، أمام عقبات عالم يتطور باستمرار، عالم لا تربطه سوى حدود وهمية بواسطة الليفية الرقمية.
تحدثت عن ثلاث زوايا قائمة للفعل الثقافي دون التطرق إلى باقي الزوايا الأخرى كصناعة الكتاب والمونولوج والمتاحف والمخطوطات والمعالم الثقافية التي تزخر بها الجزائر في جنوبها وشمالها وفي شرقها وغربها، فجميع هذه المشاهد يمكنها المساهمة في رفع التحدي، وخلق متنفس ثقافي يساير اقتصاد الثقافة والاستثمار في مكنوناتها المتعددة بتعدد مواهب الوطن الواعد.