ما ينتظر المواطن الليبي هو الاستقرار وعودة الأمن إلى ربوع وطنه لا غير، وما تنتظره زمر العصابات أكيد هو التوتر وخلق الفضاءات المشبوهة للتغلغل أكثر في أسواق النفط وتجارة السلاح والرق، واحتكار النفط الليبي، أما ما تنتظره أطياف الأحزاب والمعارضة بأنواعها هو الاتفاق على وحدة ليبيا الترابية واعتبارها خطا أحمر لا يمكن في أي حال من الأحوال المساس به أو تجاوز إحداثياته التي كرستها القوانين، لكن هذا الاتفاق يجب أن يتجسد على أرض الواقع، لا أن يكون قميص عثمان بين الأحزاب المؤيدة للذهاب إلى الحل الفوري للازمة الليبية وبين أولئك الذين يحاولون الصيد في الأوضاع المتوترة .
في ظل هذا الطابور الكبير من الانتظار يبقى التنظيم الإرهابي “داعش” يصنع الحدث لوحده، مراكز تدريب وعبور يشرف عليها، تجنيد الشباب والزج بهم في عمليات الاقتتال بين الأخوة الأعداء وتواجد مؤسسات برلمانية برأسين وحكومة فشلت في السيطرة على الوضع، وإفلات أمني رهيب، واقتصاد متدهور وظروف اجتماعية قاسية تصنع المشهد الليبي دون منازع.
منذ أن عصفت رياح التغيير بالمشهد الليبي في 17 فيفري 2011 ، بقي الوضع كما هو بل زاد تعقيدا وانفلاتا، وكانت ليبيا ومن خلالها الشعب الليبي الخاسر الأكبر، ناهيك عن مظاهر انتشار السلاح والصراعات القبلية التي أخذت طابعا ينذر بالشؤم، وأمام كل هذه المظاهر يبقى النفط الليبي هدية السماء للشركات المتعددة الجنسات وعصابات الجريمة المنظمة.
رحل “برنار ليون دينو” عن جولات الحوار الليبية - الليبية، بعدما خاض مشوارا جريئا في المحادثات بواسطة الجزائر التي قدمت خطوات هامة لهذه الإنطلاقة، من الجلوس على طاولة المفاوضات إلى الاتفاق عن تشكيل حكومة وحدة وطنية وتغليب منطق العقل على لغة السلاح.
ليس هناك من حل أمام الأحزاب السياسية والشخصيات النافذة في المشهد الليبي إلا تغيير الخارطة في طرابلس والزنتان وطبرق وغيرها من المناطق الأخرى حتى يتمكن المواطن الليبي من العيش في كنف السلم والأمن، بعيدا عن التسلح والعدائية، اللتين أصبحتا الهاجس الأوفر حظا في الميدان.
مهمة أخرى تنتظر الألماني “كوبلر” القادم الجديد لمعالجة الشأن الليبي ومن أول اجتماع له بالجزائر سوف تتضح سياسة وخطة الرجل، قصد الوصول إلى حل سياسي وأمني ينهي مسلسل اللاأمن الذي طال أمده، ثم تشكيل حكومة توافق وطني تلتزم جميع الأطراف أمامها، حتى لا تلقي الأوضاع الراهنة ظلالها على دول الجوار، وتحرص الجزائر على تمكين الليبيين من تحديد الرهانات الأولى لمرحلة انتقالية، تكون في الغالب محل إجماع وتحفظ إستقرار المنطقة لكنها حتما ستكون نهاية حلقة دموية يجب أن تتوقف.