المنتخب المحلي مدعو اليوم إلى التّكيّف مع خطاب وزارة الداخلية والجماعات المحلية المبني على توجّهات تسيير حديثة، الهدف منها ترقية أداء هذه المؤسّسات وجعلها في مقام المقاييس المعمول بها دوليا، أي غايتها الفعالية والجدوى ليكون نشاطها يحمل تلك الدّلالات الاقتصادية والاجتماعية.
فهل المنتخب المحلي يعي تحديات ورهانات المرحلة؟
من الصّعوبة بمكان الاقرار بأيّ رأي مطلق في هذا الشّأن لأنّ هذا العضو لم يتعوّد في “مسيرته” بمثل هذه المسائل الحيوية كونه خرج من رحم النّضال إلى أن وجد نفسه في مؤسّسة منتخبة لها امتدادات سياسية واقتصادية واجتماعية، فكيف العمل يا ترى؟ هل أولوياته لتشكيلته أم لمنتخبيه أم لأشياء أخرى؟ إنّها مقاربات صعبة المنال تتطلّب نظرة مخالفة للذّهنية القائمة أو الرّاهنة؟
المتعارف عليه أنّ الصّفة النّضالية تنصهر في الصّفة الاتخابية بمجرد أن يعتلي المنتخب عضوية مجلس بلدي يتحوّل مباشرة إلى خدمة سكان تلك المنطقة، أي الصّالح العام لينزع عنه قبعة الانتماء الحزبي الضيّق، الذي يضرّ كثيرا بالمفهوم الخاص بالعون، الذي يخصّص له كل مجهوده من أجل أن يكون في هذا المستوى المطلوب.
وخارج هذا الاطار العام، فلا ترى المهمّة المخوّلة للمنتخب المحلي، وعليه فإنّ تكليفه بهذا العمل ينبع من قناعته التّامة بأنّ عهدته مسخّرة من أجل من منحه تلك الثّقة، ولا يحقّ له إدارة ظهره له، وهذا الكلام يعني بأنّه مطلوب منه أن يسعى من أجل اقتراح مشاريع تنموية للسّاكنة خلال المداولات، وأن يعمل على حلّ مشاكل النّاس واستقبالهم والتحدث معهم، للأسف هذه التّقاليد غير موجودة في جلّ بلدياتنا.
لابد من توفّر هذه “الثّقافة” لدى المنتخبين في مجالسنا الشّعيبة البلدية، على أنّ مسعاهم يتوجّه إلى المواطن بشكل عام بدون أي لون يذكر، وهذا هو المنطلق الأساسي في كل نشاط تنموي، لذلك فإن التأخّر المسجّل في تسطير البرامج يعود أحيانا إلى اعتراض البعض على مشاريع معيّنة، ووجود صعوبة في اختيار الصّفقة وغيرها من التّفاصيل لا بداية ولا نهاية لها.
وإلى غاية يومنا هذا، فإن المنتخب المحلي تغيب عنه في الكثير من الأحيان تلك التحديات والرّهانات، ولا يدرك أبعادها وهذا عندما يعتقد بأنّ صفة المنتخب أقوى من سلطة الادارة، وهذا تفكير غير واقعي وخاطئ بالأساس، لأنّ تواجده في ذلك الفضاء يعني أنّه يتبع السلّم المؤسّساتي، بمعنى الوصاية التي تكون من الدائرة ،الولاية، والوصاية الوزارة، وهذا التّسلسل مرجعيته قانون البلدية والولاية الذي يحدّد المهام بدقّة.
وعليه فإنّ عهدة المنتخب المحلي تعدّ في الأساس مسؤولية تجاه المنتخبين، وهذا عندما يقيّم أداؤه خلال الفترة التي قضاها في بلديته وما مدى توافق المحيط مع ما قدّمه. إنّها انشغالات حادة وكذلك تساؤلات مشروعة انطلاقا من أنّ البعض من البلديات ما تزال تبحث عن نفسها وهي تقترب من انتهاء عهدة منتخبيها، لم تهتم بالتّنمية المحلية بقدر ما كانت تحت وطأة الضّغوط الحزبية والتحالفات، والبحث عن رئاسة المجلس.
لذلك فإنّ عهدة البلدية غير مرتبطة بتاتا بالزّمن أي بـ ٥ سنوات، وإنما هي ممتدّة في نسق مرتبط ارتباطا وثيقا بالمسار التّنموي، الذي يترجم المشاريع المنجزة والقدرة على تحقيق وثبة في قطاعات ذات خصوصية بحتة تعود إلى طبيعة البلدية، وهذا تفاديا لتسجيل التّكرار في مطالب معيّنة تظهر كل عهدة، كان بالامكان تلبيتها في وقتها تعبيرا عن بعد النّظر والادراك الحقيقي لما يحيط بالمنتخبين.