تنوع ثقافي وتراث لامادي شكل ماض الأمة وحاضرها، فسيفساء تتربع على طول امتداد الوطن الشاسع من صحراءه إلى تلاله ومن هضابه إلى سواحله، طبوع من الأغاني التراثية سواء ما تعلق منها بالثورة أو بالعادات والتقاليد، جميعها حاضرة في ذاكرة الوطن، نقلتها الأجيال عن بعضها البعض.
رافقت الأغنية التاريخية ثورة التحرير المباركة وقبلها سجلت حضورها الدائم في المقاومة، فكانت خير وسيلة إخبارية، صورت بطولات وتضحيات أبناء الجزائر ورسخت في أذهان الحرائر من نساءنا، كل المقاطع فحفظنها عن ظهر قلب، وغنينها في الأفراح والمناسبات، ولاشك أن البعض منها مازال ماثلا إلى حد كتابة هذه الأسطر، لم تؤثر فيه لا المتغيرات ولا حتى عوامل التأثير وغيرها .
تركت كلماتها الأنفس مشدودة إليها، إلى أن صارت جزءً لا يتجزأ من هويتنا وتاريخنا النضالي المجيد، بل إن الكثير منها ساهمت في التأريخ لمواقع ومحطات معينة من التاريخ، بعدما عجز المؤرخون على إيجاد التفاصيل الدقيقة لكتابتها فكان اللجوء والاستعانة بالأغنية التي كتب فيها الشاعر هذه الحيثيات الدقيقة.
ساهمت المرأة في الحفاظ على بقاء الأغنية التراثية من خلال تناولها في الأفراح والأعراس وحتى في المواسم الدينية، مع إضافة بعض الطقوس والتوابل حتى يصل اللحن أسماع الحضور، كما أن الرجل في مواسم الحصاد والجني ردد الكثير من الأغاني التي تهتم بالمناسبة وتعظم فوائدها.
تبقى حظوظ الأغنية التراثية قائمة طالما أن هناك تجديد في الإيقاع الموسيقي مع الحفاظ على الكلمات وتوزيعها كما كانت في عهدها الأول، بهذه الطريقة سيبقى هذا التراث متداولا ومحميا ومتناقلا من جيل إلى أخر ومن منطقة إلى أخرى، حتى تبقى الهوية الوطنية قائمة من خلال الموروث الثقافي، وحتى لا يذهب أدراج النسيان والإنسلاخ مع وجود الموجات العصرية والغربية التي غيبت ربما إلى حد بسيط هذا الزخم الفني.
ومن واجب الجامعة التطرق بالبحث والتمحيص في أعماق هذه الأعمال الفنية التي كانت تتداول في البيت ثم الأسرة والمجتمع، لا يمكنها أن تنفر الأشخاص بكلماتها التي تخدش الحياء ولا بإيقاعاتها التي لا تسترق الأذن لسماعها، فالمسؤولية جماعية لحمايتها من الإندثار، لأنها صورتنا نحن في ماضينا وصوتنا المسموع في مستقبلنا الذي نستشرف له.